الجمعة 29 مارس 2024

  • أسعار العملات
    العملة سعر الشراء سعر البيع
    الدولار الامـريكي 3.78 3.8
    الدينــار الأردنــــي 5.35 5.37
    الـــيــــــــــــــــــــــــورو 3.04 4.06
    الجـنيـه المـصــري 0.1 0.12

سياسة بايدن الخارجية: تحديات وفرص

  • 01:50 AM

  • 2021-02-07

غالب درابيه:

صناعة السياسة الخارجية الأمريكية تعتمد على مدرستي فكر أساسيتين؛ الأولى هي المدرسة الواقعية والتي ترتكز بالأساس على المصالح القومية الامريكية والأخرى هي المدرسة المثالية التي ترتكز على القيم الامريكية واحترام القانون والمنظمات الدولية. لكل مدرسة فكر يوجد هنالك مراكز أبحاث ومفكرين ومجموعات ضغط تخدمها. هنالك اختلاف ما بين هاتين المدرستين وفي كثير من الأحيان تجد الإدارات الامريكية نفسها محرجة عندما تتضارب مصالحها مع قيمها عند أخذ قرار ما، خاصة إذا كان هنالك مجموعة ضغط قوية تساند قضية ما. وفي كلا الحالتين يلبسوا قراراتهم عباءة القيم مثلما حدث في حربهم الثانية على العراق حيث تمثلت تلك العباءة بجلب الديمقراطية للشرق الأوسط.

مدرسة المصالح الواقعية كانت دائما تجد نفسها أقرب للحزب الجمهوري، ومدرسة القيم والمثالية تجد نفسها أقرب للحزب الديمقراطي. ادارة الرئيس أوباما كانت من أكثر الإدارات الامريكية ميولاً لمدرسة القيم والمثالية وإدارة الرئيس ترامب كانت فقط تعتمد بسياستها على مدرسة المصالح الواقعية. خطاب الرئيس بايدن بالأمس يوحي بأن سياسته الخارجية القادمة ستعمل على خلق توازن نسبي بين المدرسة الواقعية والمثالية.

رغم أنه شدد في خطابه على أن "أمريكا عادت" الى الساحة الدولية الى أن هنالك تحديات كثيرة وواقع جديد في انتظار الرئيس بايدن؛ على المستوى الدولي لقد أصبح واضحاً بأن حقبة أحادية القطبية بقيادة الولايات المتحدة قد انتهت، وأصبح هنالك قوى دولية صاعدة متمثلة بالصين وروسيا حيث وصف بايدن الصين بأنها أخطر منافس للولايات المتحدة والتي ستصبح أكبر اقتصاد في العالم في عام 2027. وهنالك قوى إقليمية مثل الهند وتركيا وإيران والبرازيل وجنوب أفريقيا وتحالفات إقليمية جديدة مثل التحالف "الاسرائيلي" السعودي والإماراتي في الشرق الأوسط يجب التعامل معها.

فيما يخص ملف الشرق الأوسط، خطاب الرئيس بايدن بالأمس وقراراته الأخيرة بخصوص إنهاء حرب اليمن وإعادة النظر في بيع الأسلحة لكل من السعودية والامارات، وتعيين روبرت مالي مبعوثا خاصا لإيران، وتركيزه على الصين وروسيا بالتزامن مع سياسته الداخلية بخصوص التركيز على الطاقة المتجددة يشير الى أن منطقة الشرق الأوسط لم تعد منطقة استراتيجية تخدم المصالح القومية الامريكية وعليه غلبت كفة مدرسة القيم المثالية على كفة مدرسة المصالح القومية.

هذا الواقع الجديد يشكل تحول في أولويات الولايات المتحدة من الشرق الأوسط الى آسيا التي تشكل أكبر تجمع اقتصادي حالي في العالم. لقد أصبح فريق عمله ومستشاريه للشرق الأوسط يدار من قبل مجموعة من الموظفين المبتدئين وأقل بكثير مما كان عليه في السابق في حين فريقه لملف آسيا يدار من قبل فريق عمل كبير ومخضرم. وعليه يجب على الدول العربية التوافق على رؤية مستقبلية مشتركة وأمن قومي عربي مشترك والاستثمار في الأجيال القادمة والشباب العربي من خلال التعليم لمواجهة التغول الإسرائيلي والإيراني والتركي ومواجهة التحديات الصعبة التي ستنتج عن الثورة الصناعية الرابعة.

أما بالنسبة لعملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، يبدو لي أن هذا الملف أصبح أكثر تعقيدا اليوم لأسباب عديدة أهمها الانقسام الفلسطيني وعدم قدرة وكفاءة وقلة حيلة الطبقة السياسية الفلسطينية المتمثلة بسلطة رام الله وسلطة غزة خاصة بعد هرولة بعض الدول العربية المؤثرة للتطبيع مع دولة الاحتلال والذي يدمر مبدأ الأرض مقابل السلام الذي يعتبر أساس عملية السلام ونقطة قوة الطرف الفلسطيني. من الملفت للانتباه هنا أن بايدن لم ينطق ولو حتى بكلمة واحدة عن عملية السلام خلال خطابه الذي امتد لتسع عشر دقيقة. هذا مؤشر يستحق الوقوف عليه لما له من تداعيات أهمها أن القضية الفلسطينية قد سقطت عن الاجندة الدولية بعد أن أعتلتها لقرون كثيرة.

ولكن لفهم أدق لسياسية بايدن القادمة بخصوص القضية الفلسطينية يجب علينا أولا فهم بعض الحقائق والمبادئ التي تحكم القرار الأمريكي بخصوص القضية الفلسطينية. الحقيقة الاولى هي ان هنالك فلكين تتمحور حولهما صناعة السياسة الخارجية الأمريكية الشرق اوسطية؛ الفلك الاول هو في إطار ما يسمى "مدرسة المتخصصين" أو ما يطلق عليها في الدوائر السياسية اسم (Arabists) والثاني هو إطار "مدرسة إسرائيل أولا" والتي تتحكم في السياسة الامريكية الشرق اوسطية منذ اواخر ستينيات القرن الماضي أي بعد تعيين كيسنجر كمستشار للأمن القومي للرئيس نكسون في عام 1969 والذي أصبح وزيرا للخارجية في عام 1971.

مدرسة كسنجر اي سياسة "إسرائيل أولا" هي السائدة في أروقة السياسة الامريكية والأكثر تأثيرا في صنع القرار الأمريكي وقد استطاعت أن ترسخ المبادئ التالية: اولا: يجب ان تتفوق قوة إسرائيل العسكرية على منافسيها في المنطقة، وهذا ما يفسره الدعم العسكري اللامحدود لإسرائيل من قبل جميع الإدارات الامريكية بدون استثناء. ثانيا: العمل على تحقيق سلام فقط من موقع قوة لإسرائيل وليس من موقع ضعف، وعليه اي عملية سلام يجب أن تكون بشروط إسرائيلية.

بموجب عملي في بعثة منظمة التحرير الفلسطينية في واشطن، تعرفت قبل عشرون عاما على الرئيس بايدن ووزير خارجيته أنتوني بلينكن الذي كان مديرا في لجنة العلاقات الخارجية حينما كان بايدن يترأس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، وأعلم أن كليهما ينتمون لمدرسة "إسرائيل أولا". وأعلم أيضا أن سجله التصويتي في مجلس الشيوخ كان دائما لصالح إسرائيل وسيستمر في العمل على تفوق إسرائيل العسكري وتحقيق سلام فقط من موقع قوة لإسرائيل وليس من موقع ضعف. بايدن يؤمن بحق إسرائيل الوجودي ككيان لليهود ولكنه أيضا يؤمن أن مصلحة إسرائيل تكمن بحل الدولتين لتجنب الحالة الجنوب أفريقية.

لفهم منطق تفكير بايدن والتعامل معه بفاعلية يجب أن نتذكر خطاب بايدن العاطفي والناري في عام 1986 في لجنة العلاقات الخارجية ضد سياسة إدارة ريجن اتجاه نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا ومداخلته الشهيرة ضد وزير الخارجية الأمريكي جورج شولتز حين قال "أكره أن أسمع إدارة أو وزير خارجية يرفضان التصرف بناءً على نقطة بغيضة أخلاقياً ... أشعر بالخجل من هذا البلد الذي يضع سياسة لا تقول شيئاً، لا شيء. " وأنهى خطابه بالقول إنه يشعر بالخجل من عدم وجود بوصلة الاخلاق في سياسة الولايات المتحدة.

يبدو لي أن لدى الفلسطينيين الان فرصة لوضع الإدارة الامريكية الجديدة على المحك وإظهار التضارب اللاأخلاقي بين ما تمثله أمريكا من قيم إنسانية نبيلة وما تمارسه من سياسة غير أخلاقية على أرض الواقع من خلال دعمها الاعمى لسياسات دولة الاحتلال العنصرية واللاأخلاقية ضد الشعب الفلسطيني. هذا ما نجح به المؤتمر الوطني الافريقي في جنوب أفريقيا ولذلك تغلبت مدرسة القيم على مدرسة المصالح الامريكية وأوقفت الولايات المتحدة دعمها لنظام الفصل العنصري وفرضت عليه عقوبات سياسية واقتصادية.

من المرجح أنه إذا نجح الطرف الفلسطيني في كشف هذا التضارب ما بين قيمها الاخلاقية وممارساتها الااخلاقية فسوف يكون هنالك آذان صاغية في إدارة الرئيس بايدن للحق الفلسطيني خاصة بعد ظهور ونجاح فئات ليبرالية شابة داخل الحزب الديمقراطي من أمثال النائبة المؤثرة ألكساندريا أوكاسيو-كورتيز والنائبة الهام عمر.

الآراء المطروحة تعبر عن رأي كاتبها وليس بالضرورة أنها تعبر عن الموقف الرسمي لـ "ريال ميديا"

كلمات دلالية

اقرأ المزيد

تحقيقات وتقارير

ثقافة وفن

مساحة اعلانية

آراء ومقالات

منوعات