الجمعة 29 مارس 2024

  • أسعار العملات
    العملة سعر الشراء سعر البيع
    الدولار الامـريكي 3.78 3.8
    الدينــار الأردنــــي 5.35 5.37
    الـــيــــــــــــــــــــــــورو 3.04 4.06
    الجـنيـه المـصــري 0.1 0.12

المثقفون العرب .. بين نفي الذات واستبطان الآخر

  • 20:53 PM

  • 2020-03-10

أكرم أبو سمرا:

وحين تجالس مثقفا عربيا أو تستمع إليه عبر الفضائيات فلابد أن تكون على موعد مع عبارات يقتطفها لهذا الكاتب الغربي أو ذاك السياسي الأوروبي .. وقد يقولها بلغة الآخر .. مما يدفع المذيع إن كان على صلة بتلك اللغة أن يترجمها كي يفهم المستمعون
شخصيا ليس لدي اعتراض على هذا الاستعراض الممراض .. ولكني لا أقبله حين تجد في ما يسمونه تراثا عربيا .. غير كاتب وناقد ومفكر وشاعر .. استخدم معنى تلك العبارة بشكل أعمق وادق وأسبق
هي عقدة النقص تجاه الآخر .. والتي قد ترتفع إلى مصاف الاستلاب والاغتراب .. ثم تصل إلى درجة استحسان العبودية والدونية .. رغم كونها – ظاهريا - تستخدم كسلاح للاستعلاء على الجماعة والتمايز عن القوم .. تماما كما كانت تفعل سلالة العائلات الأرستقراطية في روسيا القيصرية , وسلالة العائلات البرجوازية أو محدثة النعمة في مصر .. من خلال عملية احلال واحتلال يومية تطرد العربية وتنصب مكانها اللغة الفرنسية .
طيب : خطر هذا بالبال .. بعد أن استمعت إلى مقابلة عبر قناة الميادين مع ناقدة وباحثة مغربية حاصلة على جائزة كاتارا !!!! الرسمية القطرية .. قالت فيها للمذيع الشاعر : ( أنا متأثرة بمقولة باختين : ليس هناك كلام بكر ) .
أعرف أن الناقد باختين ابن الاتحاد السوفياتي – توفي 1975 – هو أول من استخدم مصطلح الدلالة الحوارية إشارة منه إلى التناص في العمل الأدبي
وأعرف أن الناقدة جوليا كريستيفا الفرنسية من أصل بلغاري .. كما توصف .. أضاءت مصطلح التناص وأوضحت أنه حصيلة خلطة قراءات تتمازج وتشتبك لتؤدي إلى قراءة جديدة بدلالات مغايرة .. وهذا ما قام رولان بارت – دهسه سائق شاحنة بلغاري في الشارع فقتله - بالتوسع في دراسته ( لا أعرف ما دلالة التناص عند جوليا حين يكون سائق الشاحنة القاتل بلغاريا ؟ ).
وبالمقابل أعرف أن الناقد والفيلسوف جاك دريدا تعارض مع وناقض زملاءه حين نفى أي مرجعية للنص .
وأدرك أن بعض المتعالين المتفيهقين سيقولون أن التناص الباختيني الكريستيفاوي البارتي الكرامي – وهذه الأخيرة رشوة على البيعة - الخ .. ليس هو السرقة أو التضمين أو الاقتباس الخ سنقول لهم هو كذلك .. ألا فقولوا .. ولكن التّناص هنا لا يخرج عن كونه خلطة سرية ومزيجا من كل ما ذكرتم وما لم تذكروا .. أقصد وأعيد : التضمين والاقتباس والسرقة الخ إنه التحويل وقد عالج العرب هذا الأمر في نقدياتهم عند من يغيرون على المعاني فيجددونها ثم يموهونها ويعمدون إلى إعادة تخليقها بألفاظ أخرى .. ولن نجد للرد عليهم أفضل مما قاله كبير التناص رولان بارت .. أليس هو القائل : ( إن كل نص هو مجموعة فسيفسائية من الاقتباسات ...)؟
القصد هنا : أعني مربط الفرس وفرس المربط .. وبالعودة إلى الجملة الباختينية الأثيرة لدى الناقدة المغربية : ( ليس هناك كلام بكر ) .. سنجد أنها شكلت قلقا وعلامة استفهام بشكل مبكر لدى شعراء العربية .. وخصوصا لدى شعراء ما قبل الاسلام ..
ألم يقل الأعشى : ما بكاء الكبير بالأطلال .. وسؤالي ,وهل ترد سؤالي ؟
ألم يقل زهير : ما أرانا نقول إلا مُعارا ... أو معادًا من قولنا مكرورا ؟
ألم يقل عنترة : هل غادر الشعراء من متردم ... أم هل عرفت الدار بعد توهم ؟
ألم يقل لبيد – قبل اسلامه - : والشاعرون الناطقون أراهم ... سلكوا طريق مرقش ومهلهل ؟
ألم يحسم ابن عبد ربه الأمر في عقده الفريد: ( ولذلك قالوا في الأمثال : ما ترك الأول للآخر شيئا )؟
ألم تكن هذه الجملة المستفزة النمطية المتقولبة المانعة للنمو الجاحدة للعقل مستقبلا جملة (ما ترك الأول للآخر شيئا ) .. هي السبب في ما شهده الأدب من تمرد أدى إلى تجدد من الأواخر لم يقدر عليه الأوائل ؟
ألم يرد عليها أبو العلاء المعري بقوله : ( ليس أضرَ على العلم
من قول القائل : ما ترك الأول للآخر شيئاً ) ؟ وهي الجملة التي جعلته يقول في شعره :
(وإني وإنْ كُنْتُ الأخيرَ زَمانُهُ
لآتٍ بما لم تَسْتَطِعْه الأوائل ) .
كذلك ألم بقل الناقد الأكبر الجاحظ : (إذا سمعتَ الرجلَ يقول: ما ترك الأوَّلُ للآخِر شيئاً، فاعلمْ أنه لا يريدُ أن يُفلح )
ونسال : إذا لم يكن ما قاله أبو نواس في الخمر جديدا وبكرا ومختلفا فما هو الجديد والبكر وأبنه ؟
وإذا لم يكن ما انفرد به أبو تمام من تجديد في معانيه وبيانه وبديعه هو ما يجب أن يوصف بالبكر والجديد .. فما هو الجديد وأينه ؟ ألم يواجه مرارا وتكرارا بأسئلة من دوغما مثقفي زمانه : لماذا تقول ما لا يفهم ؟ فيرد عليهم ولماذا لا تفهمون ما يقال ؟
ألم يستفد البحتري من رد أبي تمام حين قال :
(عليَّ نحتُ القوافي من مقاطعها ... وما عليَّ إذا لم تفهمِ البقرُ )؟
ألم يقل المتنبي ضد الهؤلاء سيرا على نهج أبي تمام :
(أنَامُ مِلْءَ جُفُوني عَنْ شَوَارِدِهَا .... وَيَسْهَرُ الخَلْقُ جَرّاهَا وَيخْتَصِمُ )؟
ومفيد هنا أن نذكر بما قاله المتنبي في أبي تمام : ( أبو تمام أستاذ كل من قال الشعر بعده ) ..من كتاب الصبح المنبي
يا قوم : وبلغ أبو تمام ما بلغه من التجديد حدّا شاهق العلو .. فما بلعه إمام لغة بل وعلّامة لغة مثل ابن الأعرابي – عاصر أبو تمّام ولحق به - مما دفعه إلى القول : (وإن كان ما يقوله أبو تمام شعراً ، فما قالته العرب باطل ) .
ختاما : لم يكن في نيتي الإطالة ولا البحث .. بل الرد والتوضيح .. ولكن هذا العوار الضار المعاصر هو ما دفعني لما عرضته من أمثلة
عود على بدء .. لا أجد من نصح خاص .. في موضوع التناص .. أسديه لهذه المثقفة الدكتورة المغربية علها تجد فيه الخلاص .. سوى دعوتها إلى أن تعود إلى كتاب ( لن تتكلم لغتي ) لابن بلدها الناقد الدكتور عبد الفتاح كيليطو .. حتى لا يطالبها أصحاب السبق من الكتاب العرب بالقصاص .. ولات حين مناص.

الآراء المطروحة تعبر عن رأي كاتبها وليس بالضرورة أنها تعبر عن الموقف الرسمي لـ "ريال ميديا"

كلمات دلالية

اقرأ المزيد

تحقيقات وتقارير

ثقافة وفن

مساحة اعلانية

آراء ومقالات

منوعات