الخميس 28 مارس 2024

  • أسعار العملات
    العملة سعر الشراء سعر البيع
    الدولار الامـريكي 3.78 3.8
    الدينــار الأردنــــي 5.35 5.37
    الـــيــــــــــــــــــــــــورو 3.04 4.06
    الجـنيـه المـصــري 0.1 0.12

«المتحف الفلسطيني»… صوت آخر من أصوات المقاومة في ظل الفقدان والتفتيت والمحو

  • 00:01 AM

  • 2019-10-19

رام الله - " ريال ميديا ":

تبدو فلسطين، بما فيها من عادي واستثنائي، حاضرة في المتحف الفلسطيني، حاضرة بماضيها وواقعها ومستقبلها، بأرضها وتضاريسها ونباتاتها ومبانيها. بشعبها ومبدعيه، بروحها التي تقاوم الطوفان، بدون أن تصاب بيأس أو تعب. تظهر فلسطين في المتحف، بما تعرضت له من فقدان وتفتيت ومحو، وبما ردت على كل ذلك من مقاومة بأشكالها الظاهرة وغير الظاهرة، ومن خلال إبداعات أبنائها من رسامين وشعراء وكتاب ومفكرين.

فقدان

تحت عنوان فقدان، حيث يعاني الفلسطيني من فقدان متواصل للأرض والحياة، وحيث اتخذ فقدان الأرض أشكالا عديدة، تظهر في مشهد طبيعي ينكمش باستمرار جراء مصادرة الأراضي التي لا تتوقف، وبناء المستوطنات عليها، يقتبس المتحف من الشاعرة فدوى طوقان قولها:
«كفاني أموت على أرضها
وأدفن فيها
وتحت ثراها أذوب وأفنى
وأبعث عشباً على أرضها
وأبعث زهره…».
تفتيت
تتعرض طوبوغرافيا فلسطين للتفتيت المتواصل عبر الحواجز والجدران والأسلاك الشائكة والطرق الالتفافية، وتقسيم الأراضي إلى مناطق معزولة عن بعضها بعضا، يقتبس المتحف عن المفكر الفلسطيني العالمي إدوارد سعيد قوله: «بعد إخضاع الأمر للتأويل والتفكيك، يتبيَّن أن ما نتداوله زائل، فنحن لا نفوّض أيِّ جزء من العالم، كما أنَّنا وبشكلٍ متزايد، لا يمكننا أن نؤثّر سوى على أجزاءٍ صغيرةٍ منه. وبكافّة الأحوال نمضي».

محو

هنا يتعرض المشهد الطبيعي في فلسطين للمحو والتدمير واقتلاع الأشجار والنباتات والقرى والبلدات، مع اقتباسا للكاتب حسين البرغوثي جاء فيه: «شيء في الجبل كان يقول لي كلّما حدّقتُ في الزيتون والأودية المقمرة: حتى لو بقيت لك سنتان للعيش، فإن سنتين هنا أعمق من قرنين «هناك»، قاوم! هذه الأرض لك، قاوم».

مقاومة

وتحت عنوان مقاومة، حيث يقاوم الفلسطينيون بلا تعب، يقتبس المتحف من أحد شعراء المقاومة هو توفيق زياد قوله:
«إزرعوني زنبقاً أحمر في الصدرِ
وفي كل المداخل
واحضنوني مرجة خضراء
تبكي وتصلي وتقاتل».

المتحف

أقيم المتحف الفلسطيني الذي صممه مكتب المعماري الأيرلندي هينغان بينغ على أرض مساحتها 40 دونمًا، في مدينة بيرزيت وسط الضفة الغربية، مطلة على الساحل الفلسطيني. ويمتزج بناء المتحف مع المدرجات المتتالية (السناسل) التي تتميز بها التلال الفلسطينية، وتحيطه سلسلة من الحدائق، التي تضم بين سلاسلها الحجرية مجموعة من نباتات البيئة الأصلية لفلسطين. يشمل المبنى الذي تبلغ مساحته حوالي 3000 متر مربع، صالات عرض، والمسرح الخارجي، والمقهى الداخلي والخارجي، والمركز التعليمي، ومكاتب للموظفين، وصالة الأفلام، ومخازن للحفظ الآمن ومرافق. وجاءت المبادرة لإنشاء المتحف من «مؤسسة التعاون» وهي مؤسسة تنموية فلسطينية.

نصف قرن على النكبة

وقالت مديرة المتحف عادلة العايدي لـ»القدس العربي».. إن فكرة تأسيس المتحف ظهرت سنة 1997 تخليدًا للذكرى الخمسين للنكبة، لتوثيق الكارثة التي شكلت نقطة تحول في تاريخ فلسطين الحديث، بعد تهجير أكثر من 60% من السكان الفلسطينيين من فلسطين التاريخية، إلا أن فكرة المتحف تغيرت مع الوقت، ولم تعد تقتصر على الحفاظ على الذاكرة وحسب، بل تسعى أيضًا ليصبح المتحف مؤسسة تسعى للنهوض بالثقافة الفلسطينية والاحتفاء بها، من خلال سلسلة من المشاريع الإبداعية والخلاقة، التي تتيح لجمهور المتحف التأمل في الحاضر، وتخيل مستقبل أفضل. وتضيف، «يسعى المتحف لتعزيز حضوره عالميًا وعربيًا، تجسيدًا لأهدافه في تعزيز الرواية الفلسطينية ونشرها، وتعزيز مكانة فلسطين الثقافية حول العالم، خاصة أن متحفنا هو متحف عابر للحدود، فمن رسالتنا التشبيك والوصول إلى كافة المهتمين بالشأن الفلسطيني، أينما وجدوا، خاصة في محيطنا العربي، حيث الامتداد التاريخي الثقافي والحضاري». فرسالة المتحف باختصار هي «متحفة الممارسات الثقافية الفلسطينية، من خلال معارض ولقاءات وبرامج تكنولوجية، فهويتنا متحف عابر للحدود، نحاول أن نطور برامجنا خارج إطار المتحف، نجري نشاطات في عمان وحيفا وفي مخيمات اللاجئين في لبنان». وعن التفاعل والتواصل مع الجمهور تقول العايدي «يأتي الناس هنا كناس وليسوا مستهلكين، كما في المطاعم والمقاهي ذات الأسعار المرتفعة، يأتي الإنسان هنا ليعيش هويته الفلسطينية بحرية، يتحرك في المعرض والحدائق ويقوم الأطفال بالأنشطة».

قلة المعروضات

ويعاني المعرض من نقص لافت في المعروضات الدائمة، وهو الأمر الناجم عن تشتت المقتنيات الأثرية والتراثية والفنية الفلسطينية. فقد استولت سلطات الاحتلال الإسرائيلي على المقتنيات الأثرية الفلسطينية، عند احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة عام 67، وسيطرتها على متحف روكفلر المقدسي، إلا أن المتحف يعمل على تعويض هذا النقص، من خلال متحفة الممارسات الثقافية الفلسطينية. كذلك يسعى المتحف للحصول على هبات من الفنانين وأصحاب المجموعات والمقتنيات الأثرية والتراثية والفنية.
الأعمال الفنية
وتحت عناوين عدة تعكس تاريح وحياة الفلسطيني تحت الاحتلال، يعرض المتحف لوحات ومعروضات فنية نذكر منها..

جفاف

من بين المعروضات لوحة تركيبية بعنوان «جفاف» للفنان سليمان منصور، عبارة عن عمل مؤلف من مئات الكسور من الطين اليابس، تشكل في ما بينها الحدود الخارجية لجسم ما (لعله بورتريه ذاتي)، يصاحبه تشكيل من أشجار الزيتون. تغيب عن الجسم أي معالم رمزية للهوية، كالزي الفلسطيني الذي كان رمزًا متكررًا في أعمال الفنان. ويشبه العمل فسيفساء بلا لون من تراب جاف عطِش، يبدو وكأنه في طور التحلل الذي تمّ تعطيله بشكل دقيق. فالعمل من أبسط المواد، ولم يحمل أي لون، فهو يتألف من بقايا أرض متشققة جافة تنقل لنا الخطوط العريضة لأشجار الزيتون الضخمة، ولكن الهشة المتفتتة في الوقت ذاته. وعملاً آخر للفنانة رنا بشارة، بعنوان «خريطة الطريق نحو التصفية». تستخدم بشارة في هذا العمل آثار المشهد الطبيعي من خلال الصبار. حُمّل الصبار قيمة رمزية خاصة، بوصفه محددًا لمواقع القرى المدمرة والممحوة عام 1948، ورمزًا معتمدًا للصمود. تخلق بشارة في عملها التركيبي، غرفة من الصبار الذي تبدو آثاره كهياكل هشة وغريبة. وتخلق مصفوفة من الظلال على خرائط تغطي سطوح الغرفة. هذه الخرائط نفسها تفصّل تغيرات المشهد الطبيعي الفلسطيني وتفتته، بتحويله إلى سلسلة من الكانتونات المعزولة. وتحاكي هياكل الصبار الخرائط، معبرةً عن منظر هشّ وممزق.
ويحكي عمل «مسكونة»، للفنانين جمانة عبّود وعيسى فريج، عن الحنين والانتماء، وعن تيه وبحث مستمرين وعميقين في المشهد الطبيعي. هذه الثيمة المتعلقة بإعادة استكشاف علاقة مع المشهد تتردد في فيديوهات عبود ورسوماتها ولوحاتها، حيث تندمج الشخوص والمنظر في حيز واحد، فالأجساد الأنثوية والغيلان والكائنات الغريبة، والبشر ليست عناصر منفصلة بالكامل، بل كلها أجزاء أساسية من المشهد ومن بعضها بعضا. ينقل عمل «مسكونة» اختبار الطبيعة والمكان اللذين يخاطبان حواسنا المختلفة، إلا أن هذه العملية من «إعادة اكتشاف الطبيعة» و»المشهد الطبيعي لأرض الوطن» ليست ذات نشوة، بل عادة ما يخيم عليها إحساسٌ بالفقد. وينأى هذا العمل عن التمثيلات التاريخية لأرض الوطن ذات المفردات المرئية المحددة، التي يمكن إجمالها في الصورة التذكارية للأرض الأم الرزينة، بدلًا من ذلك، تحكي عبود عن فقدان الأرض، عن حزننا وانفصالنا، عبر انخراط حميم مع المشهد الطبيعي والطبيعة، وعبر المطالبة باستعادة الأرض عبر الإصغاء وتتبع الحكايا الفلكلورية والتقاليد.

الغزال الفلسطيني الجريح

يعرض المتحف للفنانة منال محاميد، الغزال الفلسطيني المعمول من ألياف زجاجية.
وتتحدث أعمال محاميد عن تاريخ إقصاء المشهد الطبيعي الفلسطيني، وما حاول الاحتلال خلقه من صورة مثالية للوطن اليهودي، عبر محو القرى وإقصاء أي مظاهر تاريخية عربية من المشهد الطبيعي، من خلال مجموعة أعمال تدور حول الغزال الفلسطيني. للوهلة الأولى، يبدو غزال محاميد الفلسطيني، الذي يسمى في حديقة الحيوانات في إسرائيل غزالًا إسرائيليًا، كأي غزال عادي، إلا أننا عند النظر عن كثب نلاحظ أن ساقه مبتورة. يبدو الغزال استعارة عن رمز جديد للتناقضات اليومية التي يعيشها الفلسطينيون في إسرائيل. وتحت عنوان «هكذا رأيت غزة» يأتي عمل الفنان عيسى ديبي، الذي يستكشف الحروب على قطاع غزة، عبر إعادة تشكيل تمثيلات شاشات القنوات التلفزيونية الإخبارية، كون غزة مكانًا لا يمكنه دخوله. وتقدم مجموعته هذه شبكة مخيفة وخزينة من أشكال العنف المرعب، الذي أصبحت مشاهدته، عن قرب أو عن بعد، جزءًا من واقع الفلسطينيين. فالفنان، المنفي، تطلُّ عليه غزة من خلال المستطيل الزجاجي الأنيق، الناقل لمجريات العالم وأحداثه (التلفزيون)، مضرجة بالدخان (دون رائحة)، وباللهب (دون حرارة)، لتقتحم الحرب كل ذرة فيه، وتستنهض كل فكرة بصرية لديه، وليخرج في النهاية مجموعة أعماله هذه ذات الضجيج المدوي، في محاولة تحقيق معادلة بينه وبين وطنه المفقود.

حجرة العجائب

ويأتي الفنان المقدسي والأرميني الأصل بينجي بويدجيان، بعمل عنوانه «الخراب المؤقت، حجرة العجائب». وهنا تبرز للواجهة آثار المشهد الطبيعي المُتلاشي وبقاياه وخرائبه. ويقول بينجي بأن هذا العمل هو «دراسة مُفصّلة لمشهدٍ طبيعيّ في طور الاختفاء، عبر مجموعة من الأغراض التي عثر عليها في وادي الشّامي، الذي يعرف عادةً بوادي القمامة»، الذي خُصّص للبناء وفقًا لـ»مُخطط القدس الكبرى». يقع الوادي بين جبل أبو غنيم وبيت لحم ودير مار إلياس؛ في الجزء الجنوبي من بلدية القدس، التي رُسمت حدودها بشكل أُحادي عام1967.  وفي عام 1996، أدّى قطع الأشجار في الجبل إلى بدء عمليّة تغيّر جذريّ في المشهد الطبيعي هناك. فالأغراض والّلوحات الموجودة في عمل «الخراب المؤقت» تُسائل علاقتنا بالمكان، فمن جهة، هناك حالة غياب/ حضور، حالة من العجز عن التأثير في التّغيير المُستمرّ الذي يُحدثه الاحتلال الإسرائيليّ في المشهد الطبيعيّ، ومن جهةٍ أُخرى، هناك أسئلة حول تعلّقنا المهووس بالأماكن والأغراض من خلال هذه المجموعة من المخلّفات اليوميّة الملقاة.

جائزة الآغا خان

فاز المتحف مؤخرا بجائزة الآغا خان التي تعنى بالعمارة. وهذه المرة الرابعة التي تفوز فيها مشاريع فلسطينية بجائزة الآغا خان. وجاءت الجوائز الثلاث السابقة عن مشاريع ترميم في عدد من المدن الفلسطينية القديمة قامت بها مؤسسات «رواق»، التعاون، وهيئة إعمار الخليل».
تصوير- حارث يوسف / الصور خاصة بالمتحف

وكالات - القدس العربي - بيرزيت - محمد أحمد:

كلمات دلالية

اقرأ المزيد

تحقيقات وتقارير

ثقافة وفن

مساحة اعلانية

آراء ومقالات

منوعات