الخميس 28 مارس 2024

  • أسعار العملات
    العملة سعر الشراء سعر البيع
    الدولار الامـريكي 3.78 3.8
    الدينــار الأردنــــي 5.35 5.37
    الـــيــــــــــــــــــــــــورو 3.04 4.06
    الجـنيـه المـصــري 0.1 0.12

ديوان الشاعرة رجاء قيباش*

نبض من غياهب الصمت

وتدفق أحداث القصيد الشعري.

  • 23:46 PM

  • 2019-10-12

المغرب - " ريال ميديا ":

بين دقات قلب متتالية تتدفق حياة النبض، و بين غياهب الماضي و الحاضر يحدث تصلب النبض ويصيب المستقبل بسواد المجهول. هو ذا الوصف الظاهري للعنوان، والذي تتوسط فيه الغياهب المغلفة بلون السواد وجلبة خلطة أحداث حياة متنوعة المنافذ والمخارج. هو ذا العنوان الذي يكبر فيه رسم النبض الكتابي، هو العنوان الذي تتدفق فيه آلة رسم دقات القلب تحركا بالتموج بين سرعة حياة الطريق السيار وفرملة خوف الظلمة الآتية من نفق المستقبل الممتد.
إننا من خلال تقطيع العنوان لا نركب على إزاحة العنوان عنوة من دفة الغلاف نحو كسب ود قصائد الديوان بالتصالح، بل سنوثر أن نقيم لأنفسنا تصورا عما ممكن أن تبوح به تلك القصائد للمتلقي والقارئ و الدارس كبنيات مستقلة عن مظلة عنوان الديوان الأساس.
1- الشاعرة رجاء قيباش:
حين أتحدث عن الشاعرة رجاء قيباش فإني أرفقها تسميتها لزاما بوصفها "شاعرة الإسماعيلية". نعم هي الشاعرة التي " تمتطي صهوة المجاز وتسافر بين جنون الحرف ولهيب المعاني...". الشاعرة التي يتدفق الحرف الشعري عندها بالكمية الفيضية المباحة، وبالجرأة النوعية باعتبارها قيمة مضافة في اقتحام فضاءات أسرار "تاء التأنيث" و مسكوتات " نون النسوة ".
الشاعرة التي تعبر بلطف عن تراكم حياة الذات و الآخر، تكتب بالتعدد النوعي لذاكرة التاريخ، تكتب من قلب البوح الوجودي (على وقع شهقات القبلات... تنسج من شرايين الضباب...فراشات الحرية... تعترف للسماء... بعشقها " ص103"/ مزامير ملائكية ...ترقص عارية ...على أنغام الكنائس..."ص26"/ أنا الأنثى ...بلون النار...أشتم رائحة لهفتك..."ص99").
لنقر بجمع البدء أن الشاعرة رجاء قيباش قد عملت على نقل مفهوم الكتابة الشعرية، ووظيفتها الفنية (على مستوى التمثل والممارسة) من جمالية الكلمة والتركيب الشعري إلى بصمة هوية انفرادية في الحقل الشعري (النسوي و الذكوري )، هي إذا رؤية شاعرة شابة تحمل مشروع فعل ثقافي/ فكري، وخط شعري صلب التقليد.
2- ديوان " نبض من غياهب الصمت":
جملة مكونات العنوان " نبض من غياهب الصمت" لا يمكن أن نختزل فيها تنوع قصائد الديوان(35 قصيدة)، بل هي في حدها المعرفي/ الفكري جملة مشفرة الدلالة، ولا تكشف بليونة للمتلقي إدراك المعنى من أول قراءة، ولا تمتلك مفاتيح قصائد الديوان. هي جملة العنوان التي تعصف بك لزوما لوقفة تفكير ممكن أن تطول حتى تنهي قراءة الديوان بتمامه.
نعم، الديوان يحبل بعناوين قصائدة دالة ورديفة ممكن أن تكشف بالاستعانة بها عن سر عنوان الديوان، عناوين آتية بالتوافد من عالم المرأة المليء بالأسرار والأحاسيس والمشاعر و الانفعالات المحيرة. عناوين تعبر عن تصورات الذات ومنظورها تجاه مواقف الحياة، وتنوع حالاتها الوجدانية حسب منحى تأثيث البعد الفكري المستهدف من القصيدة. هي إذا ذات الشاعرة الخفية وراء الكلمة التي تبحث عن الانفعالات السعيدة، و لما حتى كشف عري ذات مسكونة بالحزن و الشجن ( ... مظاهر الجمال، وترحل إلى مراتع مسكونة بالحزن والشجن... "التقديم" ).
3- الشاعرة رجاء قيباش والكتابة الشعرية النسائية:
اليوم، هل ممكن أن نحتفل بديوان الشاعرة رجاء قيباش ( نبض من غياهب الصمت) من زاوية رؤية " الإبداع النسائي أو " الكتابة النسائية" ؟، أو من حيث وجاهة قول شمولية الأدب الإنساني بمعادلة حضور مقاربة الإنصاف و النوع و الندية. وهي المقاربة الرزينة التي ندفع بها إلى الأمام ونتشبث برؤيتها الكلية ، ولا تنطلي علينا حيلة ممارسة منهجية التخصيص والتجزيئية.
اليوم، سنحتفل ونقيم إشاراتنا التحليلية حول مقابض القبض على بعض نوابض قلب ديوان الشاعرة بصيغة الجمع التركيبي لا بالإفراد الصرفي. فلتكن بدايتنا طلب استئذان اقتحام الديوان بالقراءة والتحليل وتفسير المشفر منه. وانحناءة وفاء أولية من تنوع قصائد الديوان حتى نصاحبها بلطف على البوح لنا عن سرها بمرونة وتدفق في الاعتراف الطوعي دون إلزامها من المرور وفق منهجية آلة التقطيع والتفكيك وإعادة التركيب والبناء، و استخلاص تصورات حياة الديوان في المكان والزمان.
4- الشاعرة رجاء قيباش حوار الذات للذات:
لعل ابرز ما ينبغي إبرازه في هذا الصدد هو صراعات النص الشعري الداخلي عند الشاعرة، صراع يتحدد من كثلة تدفق بوح طوعي ينكشف فيه الجرح الأنثوي الذي يسكن طغيان الكتابة بحرف ثاء التأنيث (أوصد الليل...على الحنين...بابه"ص89"/ بثوب الرحمة ...نزيح...نقاب الوجع...عن وجه الحقيقة"ص63"...) ، وبين اقتناص لحظات الذات عند الشاعرة بين الفرح توجد ( وشوشات خيال...طعم ضمة من نور...زرعتها...في كف الشمس...أنبتت...زهرة عشق..."ص62") . حتى أن الألم الروحي حاضر في منطوق نصها الشعري (ظمأ المسافات...يدفئ برودة دمي...مابين...غزل واحتراق...يوقد...أصابعه حطبا"132 ص") . وبين الأمل والتعب ينساب القصيد ( من حطب الجراح...حائر...متعب...حزين..."ص115").
إنه فعل الوجع المتفاعل بالإكراهات و الانتكاسات الحياتية التي تغذي مواضيع قصائد الشاعرة رجاء قيباش غذاء الحرف والكلمة والدلالة الشعرية، وحتى في نسق القصيدة البنائي (تموضع بناء شجرة الكلمات).
لن نسقط في بحر التصنيفات الاختزالية التي طالما ربطت القصيد الشعري بذات الشاعر(ة) المتحولة (آن لك أيها القلب المحتضر أن تلتقط أنفاسك وتنبض من غياهب الصمت...وتسافر بي بين الحرف ولهيب المعاني..."الإهداء")، بل سندفع تحليلنا نحو مستويات أرحب نسكن فيها العلاقة بين ذات الشاعرة رجاء قيباش ومنطوق نصها الشعري من حيث بيان الصراع الداخلي المتموج (من فتات الأحلام...كل أشيائي...تكذب..."ص45")، والخارجي برغبة حياة آمنة (آهات روحك معلقة... بسوار يدي"ص50").
إلا أن هناك إمكانية توظيف تحليلنا لقصائد الديوان ليصيب وضع الإبر الصينية على علاقة الدلالة الشعرية من حيث البعد و القرب من ذات الشاعرة ومن حيث الرغبة في فتك البوح بالقصيدة الشعرية (...المتدفقة ورحابة أفاقه ورؤاه، وتسكنه قوة الرغبة الجامحة في القول الشعري.."التقديم/ص5").
المستوى الأول:
في هذا المستوى، نتحدث فيه عن ذات الشاعرة كمنطلق عشوائي (غير مقصود بالعلامة) لكل فواصل قصائدها، نبحث عن مستوى القلق الذي يغطي مساحة أوسع من كلماتها (... تلاشي الصبر/ احتفالا بالهجر/قلبا يسرق لقمة حنانا/يمشي ماؤها للخلف/عطر برائحة التراب/ حين يسافر الحزن/ أعشقك جسدا مهاجرا..."أبيات متنوعة") إنها كلمات مقاطع الحيرة من بؤس لحظات الذات في الواقع وفي المتخيل، والذي تختزل فيه الشاعرة داخليا كل اكراهاته الممتدة سواء بالمعايشة أو التصور الحلولي الإبداعي.
هي آهات متقطعة الوزن بين حيرة/ ألم/ تعب... تمتد حتى تقايس أفق المستقبل بالإختراق ( أحلام غارقة....في برك الموت... تجادل العاصفة...تحارب الطوفان...حتى الفناء..."ص26") . لكن الأمر الذي يربك مرات عديدة منهج الناقد والقارئ والمتلقي ، هي أن الشاعرة لا تستكين إلى الحيرة والقلق كواقع منغص بل تبحث عن لذة حياة فيضية (يا حلاوة الروح...تتوسل من حضن البقاء..."26ص") ، وتحتمي بها ولو بحد التكمش الروحي عبر مرتدات الذات الحالمة باليقظة ( لم يكن يعلم... أن الأرض بور ...تنازلت...عن هوية التراب..."ص48") . هنا نرى حروف كلمات الشاعرة تكسر جدار الصمت وتخترق رتابة حياة العرف الاجتماعي، وتدق بقوة نحو امتلاك مفاتيح سعادة مستقبل بمقابل آهات الماضي والحاضر وما يخبئه المستقبل، لتعلن أن (أول هروب ...مني إليك..نرسم بجسدينا...لوحة جمال..."ص101").
المستوى الثاني:
لكل ذات آخر تعرف من خلاله سواء كان (حاضرا أو متخيلا)، آخر ولو بمفارقة لغة جنسه، هنا تربط الشاعرة رجاء قيباش "الآخر" بالذات العليلة المتعبة تجشما بالألم . تضع له برواز صورة في البعد والفراق/ في الحضور والغياب (معتقة عيوني...بشغفي إليك...لأجلك لم أضع عطرا...هذا الصباح..."ص105") .
آخر لا تفسر الشاعرة ملامحه ولا صفات "بروفايله" التام ولو بالسؤال و الاستفزاز، من هو هذا الآخر الممكن الوجود؟، و أين يتموقع حضوره من ذات الشاعرة وحلمها الأنثوي؟. ولكنها تسر لنا ( لا أؤمن...أن الشمس مضطرة ...لتشرح...سر رحيلها...).

هنا نؤكد على ازدواجية قاتلة وتشكيل عوارض معكوفات النفي والتباعد بين الذات والآخر، وكأن الحروف والكلمات والمقاطع الشعرية تعيش صداما نخبويا بين برولتاريا المطالبة بالأمل والنضال من أجل حياة حب، وبين الكلمات التضاد والتواري للخلف كسمة طوعية للانكسار( أحضن...بدراع الخوف...جسد الليل...كيف أعترف لك..."ص39").
للسؤال مكر حين نبحث عن الإجابات الصريحة بالشفاء، من يحكم ويسود هل هي الذات العليلة/ الحزينة/ المتعبة بالألم ؟، أم هي القبول بالآخر(الحبيب بمتم الحلم ) وبكل تجلياته الحياتية و تفرده الاجتماعي؟.
المستوى الثالث:
لنلحق بقولنا إلى المستوى الثالث، والذي تبرز فيه نبرة تجليات المشاعر الوجدانية الفياضة للشاعرة ، تجليات وجودية تغلف مرارا متعددة بالرمزية التي تحتمل أكثر من فهم واحد، وبوح متنوع الأبعاد (أبعث في حضنك...امرأة قدت من لهب...لتكون ...آخر قطرة مطر..."ص104" ).
وتفتح عند الشاعرة رجاء قيباش من خلال هذا المستوى ، سيولة تطويع دلالة اللغة العصية نحو أبعاد تفكيرية متشعبة الفهم و التأويل (من رعشة الحب...في ذروة الوجد...مثقلة ...بغيوم الآهات... آه..."ص76").
ومن الملاحظات الوفية لبنية النص الشعري عند رجاء قيباش، نقف بالتأني على صور شعرية مطرزة بالوثوقية البنائية للقصيدة، وهي نصوص تكشف مستور الدلالة عند فعل القراءة ، حيث ممكن أن تدفع بالمتلقي عبر متتالية التفكير والتخمين الى نسج علاقة صداقة وثيقة مع القصيد الشعري ويصل القارئ إلى مستوى وضع ذاته ضمن مكونات كلماته و يحيى مع روعة المقصد والدلالة والحرف الموسيقي.
المستوى الرابع:
هي اللغة الشعرية عند رجاء قيباش والتي غير ما مرة كسرت رمزية الدلالة اللفظية التقليدية للألفاظ و حولتها بشكل تدريجي/ طوعي نحو فضاءات أرحب تحمل أنماط حياتية دالة. قصائد جعلت منها الشاعرة تطوح بالعلاقة بين اللفظ ومعناه الاصطلاحي إلى سياقات ومعاني جديدة الدلالة والفهم.
لكن الكلمات غير ما مرة تفضح الشاعرة الحاملة لرؤية قداسة ذات المرأة (فراشات الحرية...تعترف للسماء...بعشقها ...اله السجود...تعال نسري بأرواحنا...إلى العلا..."ص103") ، هي تيمة الجرأة النوعية عند الشاعرة و التي تقتحمها وفق مستندات الموضوع والدلالة و الغاية الفضلى من القصيد الشعري، لكنها تستكين لزوما إلى محور المقدس والعرف و البناء الاجتماعي الهرمي.
هنا نقر القول، أن هناك نبرة شعرية صوفية حاضرة عند رجاء قيباش ، تشبيهات تستند عليها الشاعرة لحماية الذات من الآخر (الممكن الوجود والذي يضيق حتما على حرية نص خطابها الشعري ) ولو برمزية التحول ضمن محور انتفاء الزمان والمكان.
ولذلك فإن العامل اللغوي عند الشاعرة ينشط ضمن حقل النسيج الشعري بمورد متدفق وقابل للنحت الشعري الدقيق. يتحرك ضمن حدود الذات والمعرفة، يرتكن جانبا بخروج آهات الألم والشوق ووجع التعب...، ينساب مليا حين يبتعد عن ملاحقة الذات للذات نحو عوالم أوسع و رؤية ممتدة بأفق الحياة ولو بحدها المستحيل وغير الممكن ( حب الوجع).
5- اللغة والجسد عند الشاعرة رجاء قيباش:
تفكيك خيوط كبة قصائد الديوان ككل لم تكن بالطواعية المأمولة بالسهولة. حيث غير ما لحظة تحيي في المتلقي والدارس تخيلات فسيحة بالرحابة بين الواقع والمتخيل. مرارا ما ألهمنا التنوع ( في لغة المجاز الشعري) على اقتناص و رصد المتخيل عند الشاعرة والفصل بينه وبين الواقع. حين كنا نحس أن لغة قصائد الديوان تسكننا، يؤنسنا فيها وصف الجسد في اختلافات انفعالاته الشعورية، في كل مستويات تصورات أمل الحياة و بلحظة أمان .
لا أخفي عنكم سرا فالشاعرة رجاء قيباش تضع المتلقي / القارئ ضمن وضعية شعرية مركبة ودالة ، وضعية حصانة القصيد الشعري و مرجعية الشاعرة الفكرية والمعرفية، فيما تنزاح وضعية القارئ حين يشد على ذاته (الألم/ الفرح) مرارا من خلال مورد ماء الحرف الشعري.

ختم القول:
خير اللحظات الانصهارية مع القصيد الشعري لرجاء قيباش، يجرنا لزوما إلى استحضار نوستالجيا البحث بين مواضع الذات وتكلس الماضي، وبين الذات الحاضرة ضمن التقلبات الوجدانية والإنفعالية. إنها الشاعرة التي أبانت انها تحتكم إلى صيغة حياتية تمتلك فيها آليات التمكن من العيش ضمن عوالم إشراقات المستقبل ولو برؤية صوفية.
حين صعدت ثم عدت نزولا بتعدد مرات قراءة ديوان الشاعرة رجاء قيباش " نبض من غياهب الصمت" لم أقف قطا على شعرة تربط الخطاب الشعري عندها وفق التخندق ضمن سياق تاريخي و ثقافي منغلق ومحصور بالزمان والمكان، وإنما استنتجت بمتم معاودة القراءة وتفتيش الأبيات بالتفكيك أن هناك تحول ثوري للنص الشعري عند رجاء قيباش، فحين تضمن الشاعرة مرونة اللفظ و تشكله لتأثيث رؤيتها الفاعلة المندمجة مع أحداث المحيط والتفاعل مع انكساراته بقوة عزم النفس/ الذات. إنه القصيد الشعري التجربة الحياتية (الصغيرة العمر) الذي يتوالد بطواعية وانسياب من رحم اللغة المؤنثة بلمسة حصرية من ثاء التأنيث للشاعرة رجاء قيباش.

ذ محسن الأكرمين.

مغرب المواطنة

كلمات دلالية

اقرأ المزيد

تحقيقات وتقارير

ثقافة وفن

مساحة اعلانية

آراء ومقالات

منوعات