الثلاثاء 19 مارس 2024

  • أسعار العملات
    العملة سعر الشراء سعر البيع
    الدولار الامـريكي 3.78 3.8
    الدينــار الأردنــــي 5.35 5.37
    الـــيــــــــــــــــــــــــورو 3.04 4.06
    الجـنيـه المـصــري 0.1 0.12

الصحافة العربية: مَآلُ التحليلِ المُرَصَّن أم انتحالُ أسلوبِهِ المُقَرْصَن!

  • 09:23 AM

  • 2021-11-23

آصال أبسال*:

مرَّةً أخرى، ولكنْ من زاويةٍ أخرى، فمن بين الكثير الجَمِّ من المقالات الصحافية و/أو الإعلامية التي حاولت، ولم تزل تحاول، أن تفسرَ تفسيرا «رصينًا» (أو «مُرَصًّنًا» بالأحرى)، في مجال التحليل السياسي خاصَّةً، مدى ذينك الاستسلام والاستخذاء الواضحين اللذين أبداهما قادة التحالف المدني (الثوري) السوداني المُسَمَّى بـ«قوى إعلان الحرية والتغيير»، قبلَ ما يربو عن حَوْلٍ من الزمان كذلك.. أبدوهما إبداءً صارخًا للعيان المحلي والدولي أمامَ قادةِ التحالف العسكري (الثوري المضاد) المُسَمَّى بـ«المجلس العسكري الانتقالي (أو الانقلابي)»، من خلال محاولة انتهائهم إلى توقيع الاتفاق المشؤوم على تسليم السلطة، أولا، إلى هذا «المجلس العسكري» بكل ما يملكه من السلاح الخفيف والثقيل، ومن خلال محاولة ابتدائهم بالتالي بوأد الثورة الشعبية السودانية حتى قبل أن تنضجَ وقبل أن تكتملَ في نفوس الأُناسِ الثائرين بكافَّةِ أطيافهم.. وكان قد ظهر على السطح، في جملة ما ظهر إبَّانئذٍ، هذا المقالُ «الألمعيُّ» اللافت للكاتب الصحافي يحيى مصطفى كامل تحت العنوان المؤاتي، «على هامش ثورة السودان: الواقع المعقد والدروس البسيطة» /من إصدار تلك الصحيفة العربية المشهورة بالاسم، «القدس العربي»، في يوم 19 تموز (يوليو) 2019/.. وهو المقال «الألمعيُّ» الذي كاد وقتها أن يلخص تلخيصا مذهلا للعقول كلَّ ذلك الكثير الجَمِّ من المقالات الصحافية و/أو الإعلامية المنوَّهِ عنها، وإلى درجة النقل الحرفي السافر للعديد من العبارات بأكملها من هنا ومن هناك، وبدون أيةِ مسحةٍ، بالطبعِ، من الاعترافِ الضميريِّ، أو حتى الوجدانيِّ، بهكذا نقلٍ حرفيٍّ بالحرفِ الواحدِ، كما هي الحالُ الاعتيادية في الأغلبِ الساحقِ من كُتَّاب وكاتبات هذه الصحيفة العربية المشهورة..

ما علينا من كلِّ مَا يؤولُ إليه مَآلُ هكذا تحليلٍ «رصينٍ»، أو «مُرَصًّنٍ»، من جرَّاء انتحالِ أسلوبِهِ المُقَرْصَن مِمَّا وراءَ البحار ومِمَّا أمامَه أيضا.. ذلك الانتحالِ الذي صَار، بالفعل، فنًّا تمويهيًّا تعتيميًّا قائمًا بذاته من فنون الكتابة الصحافية و/أو الإعلامية، في مجال التحليل السياسي على الأخَصِّ، في هذا الزمان الافتراضي الرقمي (أو الإلكتروني)، صَار فنًّا تمويهيًّا «كاموفلاجيًّا» إذا جاز التعريب، هنا، من الاصطلاح العسكري الفرنسي المؤنكلَز Camouflage.. وهو الاصطلاحُ المقابلُ بالتأكيدِ، ولكن بمستوىً أخلاقيٍّ أوضعَ وأحطَّ بكثيرٍ، لذلك الاصطلاحِ المُسّمَّى بـ«السرقة الأدبية» الذي كان النُّقَّادُ الأدبيون العرب القدامى يستخدمونه أيامَ زمانٍ (في العصر الوسيط).. ما علينا من كلِّ مَا يؤولُ إليه مَآلُ هكذا تحليلٍ: إذْ نرى أسرةَ تحريرِ الصحيفةِ العربية المذكورة بالعين، ها هنا، إذْ نراها رأيًا تلجأ بالرأي «السَّديدِ» إلى الاختيار «الألمعيُّ» من صلب المقال «الألمعيُّ» نفسه للعبارة التي تعتقدُ، مثلما تعتقدُ في كلِّ المقالاتِ الصحافية و/أو الإعلامية التي تنشرُها تباعا، أنها «العبارةُ الأهمُّ» في هذا السياق.. فتسلِّطَ بذلك الأضواءَ الإعلامية عليها عمدا لكي تبدوَ للمشاهدين والمشاهداتِ، قبلَ القُرَّاءِ والقارئاتِ، ساطعةً كلَّ السُّطوعِ، كما يلي..

/لا أتصوَّرُ [البتَّةَ] أن أثورَ على جلادٍ [لكي] أجلسَ للاتفاق معه بينما يحتفظُ هو بكل أدوات بطش السلطة، فالثورة [حتى] تحققَ أغراضَها [كاملةً] يتحتَّمُ عليها أن تلغيَ الخصمَ [إلغاءً كاملا]/.. وهذا النوعُ من «النكران» البَتِّيِّ بَتًّا لا تراجعَ فيهِ، فيما يبدو، إنَّمَا يُسَمَّى في لغة البلاغيات الإخبارية والإنشائية بـ«النكران السَّرْدِي» Déni Narratif، في اللغة الفرنسية، لأنهُ، في حدِّ ذاتهِ، استنكارٌ قصصيٌّ لماهية التفاوض بين الطرف الضعيف، أي الطرف المدني الأعزل (في مثالنا هنا)، وبين الطرف القوي، أي الطرف العسكري المسلح، على النقيض.. تماما كما كان حالُ ذلك الاستنكارِ «القصصيِّ» المشابهِ بالحَدَثِ التاريخيِّ على الأفواهِ والأبصارِ، جُلاًّ أو كُلاًّ، للتفاوض بين المدعو العربي مؤيد الدين بن العلقمي /وزيرِ دولة الخليفةِ المستعصم بالله (1213-1258)/، وهو الطرف الأضعف بالمثل، وبين المدعو المغولي التتري البربري هولاكو خان، وهو الطرف الأقوى بالمثال.. فلم يكُنْ لهذا التفاوض، في هكذا مِثْلٍ وهكذا مثالٍ، إذن، إلاَّ أن يسيرَ على أهواءِ الطرف الأقوى لا محال، مِمَّا حدا بهولاكو خان إلى اجتياحِ بغدادَ سنة 1258 وإلى اغتيالِ المستعصم بالله وإلى تنصيبِ مؤيد الدين بن العلقمي نفسِهِ وزيرا له /لهولاكو خان/ إلى أن مات بعد ذلك الحين بشهور قلائل – كما أشار إلى ذلك، قبل عامين ونيِّفٍ مَرًّا، أستاذي غياث المرزوق في واحدٍ من مقالاتهِ المتفرِّدة في مجال التحليل السياسي النفسي تحديدا: /يُنظر، مثلا، المقال «ذلِكَ الغَبَاءُ القَهْرِيُّ التَّكْرَارِيُّ: كَيْفَ يَتَجَلَّى فِي ذِهْنِيَّاتِ الطُّغَاةِ؟»، الذي صدر في العديد من المجلات والدوريات والمواقع الإنبائية المختصة/..

هذان، إذن، مِثْلٌ ومثالٌ آخران أشدُّ وضوحًا وأشدُّ جلاءً على نوع الصحافة العربية المعني، وعلى مدى الغبن الملزومِ الدَّنِي، وعلى كذاك مدى الجهل المُلازمِ بما تنشره هذه الصحافة العربية بالأغلب الساحق (والماحق) منها.. هذان، إذن، مِثْلٌ ومثالٌ آخران تمثلهما أيضا خيرَ تمثيل أسرةُ تحريرِ تلك الصحيفة العربية المشهورة بالاسم، «القدس العربي».. خصوصا وأنها الصحيفة التي تدَّعي، من بين ما تدَّعيه، بأنها /منبر متنوع يؤمن بالتعددية وينشر الأخبار الدقيقة.. وأنها تلتزم بالمعايير المهنية والموضوعية، من خلال تغطيتها للأحداث، وتقديم التحليلات العميقة للقضايا العربية والعالمية/.. إلى ما هنالك من شكلَي «الخرطِ» و«الضرطِ» الصحافيَّيْن «الموضوعيَّيْن»، وإلى ما هنالك من شكلَي التطبيل والتزمير الإعلاميين الذاتيين الأجوفين، كما أُشير إلى كل من هذين التوصيفين المزدوجين في المقال السابق، «الصحافة العربية: غلواءُ الجهالةِ نقلاً بفحواءِ الكتابةِ عقلاً!».. وقد كتبتُ ساعتَها كذلك تعقيبي الواجبَ على المقتطف المذكور أعلاه وأنكرتْ بالمرصاد «لاءاتُ» مقصَّاتِ الرقابة «المخابراتية» للصحيفة نفسها، كمثل «لا» ذلك المقصِّ المأجورِ الذي يقترنُ على الدوام بالاسم الذكري قلبا و«الأنثوي» قالبا والمكتوب بالرَّسْم اللاتيني مصغَّرًا، كحال عقلها بالعين، nada، لا بالرَّسْم العربي «ندى» /وواحسرتاه، واحسرتاه على هكذا اِسمٍ!/، فأبتْ هذه الـ«لاءاتُ» من ثمَّ أن تنشرَ هذا التعقيبَ «المؤاتيَ» كالمعتاد لأنه ببساطةٍ أشدَّ وأشدَّ تعقيبٌ يكشفها على مُرِّ حقيقتها «المخابراتية» على كلٍّ من الملأ الأدنى والملأ الأعلى، أيضا.. ما علينا، هنا، من كلِّ مَا يؤولُ إليه مَآلُ هكذا إنكارٍ سرديٍّ ومآلُ هكذا إباءٍ قصصيٍّ (مُصَاحبٍ)، مرة ثانية.. كتبتُ بدوري في ذلك التعقيب ما يلي..

الأخ الكريم يحيى مصطفى كامل.. هناك، في هذا الزمان وفي هذا المكان، باحثٌ أكاديمي يدَّعي أنه مختصٌّ أيَّما اختصاصٍ بالثورات الشعبية العربية، ويدَّعي أنه يساري اشتراكي (ماركسي)، اسمه جلبير الأشقر.. ومع ذلك أيها الأخ الكريم، ورغم كل ذلك، فإنه يتصوَّر بدون أيِّ تردُّدٍ هذا التصوُّرَ الذي تستنكرهُ أنت أيها الأخ الكريم، كما يستنكرهُ الكثيرُ من قبلك، استنكارا سرديًّا قصصيًّا كذلك.. ويعتبرُ أن ذلك الاتفاقَ المعنيَّ إنما هو ثمرةُ إنجازٍ عظيمٍ من إنجازاتِ قيادةٍ ثوريةٍ، قيادةِ «قوى إعلان الحرية والتغيير»، قيادةٍ، كما يقولُ بحَرْفِيَّتِهِ أيضا، قدْ /أثبتت أنها حقا متفوقة على كافة القيادات [الأخرى] في «السيرورة» الثورية العربية برمتها/.. وهو معجبٌ أيَّما إعجابٍ كذاك بكلمة «سيرورة»، واخد بالك، أيها الأخ الكريم.. وصار له يكتبُ جائحا بهذا النفس التفوقي السوبرماني /بمفهوم أفلام هوليوود «الإنسانوي»، لا بالمفهوم النيتشوي الأكثر إنسانية من «إنسانية» الإله نفسه/.. وصار له، فضلا عن ذاك، يصرُّ عليه كلَّ الإصرار إلى حد التحنُّط الذي لا يقبلُ النقاشَ ولا يقبلُ المراءَ بالمطلق منذ ذلك الحين، ومرورا مَرًّا بيوم صدور مقاله «الألمعي»، هو الآخر، والمعنون بالعنوان «الثورة السودانية تدخل جولتها الثالثة» /ومن إصدار الصحيفة «القدساوية» نفسها في يوم 9 تموز (يوليو) من العام المنصرم 2019/.. وأدعوك أيضا إلى قراءة كافة التعليقات على نسخته المنشورة في هذا المنبر الصحافي والإعلاميِّ بالذات..  

مرَّةً ثانيةً، بعدَ «إدراكِ شهرزادَ الصباح»، وبعدَ «سكوتِها عن الكلامِ المُباح» (وما بعدهما، كذلك)، فإن ما تنشره صحيفة «القدس العربي» هذه من خلالِ الكثيرِ من مقالاتِ كاتباتِها وكُتَّابِها الذين تتباهى بإمكانياتهم «المُثْلى» وبمستوياتهم «العليا» تباهيا نرجسيا، بطبيعة الحال.. إنما هو أدلُّ دليلٍ ملموسٍ دامغٍ كلَّ الدَّمْغِ على ما قاله السياسيُّ المصري يوسف السباعي ذاتَ يومٍ، وذلك استئناسا بقول السياسيِّ الأمريكي توماس جفرسون المشار إليه في ختام المقال الآنفِ بالذكر قبل قليل: «إن هدفَ الصحيفةِ الأوَّلَ ليس التثقُّفَ ولا أيَّ شيءٍ من هذا القبيلِ.. إن هدفَ الصحيفةِ الأوَّلَ إنما هو التَّصَافُقُ والمكسبُ المَادِّيُّ، وحَسْبُ، أو أيُّ شيءٍ مَثِيل»!!..

***

*كوبنهاغن، الدنمارك:

ولدتُ في مدينة باجة بتونس من أب تونسي وأم دنماركية.. وحصلتُ على الليسانس والماجستير في علوم وآداب اللغة الفرنسية من جامعة قرطاج بتونس.. وحصلتُ بعدها على الدكتوراه في الدراسات الإعلامية من جامعة كوبنهاغن بالدنمارك.. وتتمحور أطروحة الدكتوراه التي قدمتُها حول موضوع «بلاغيات التعمية والتضليل في الصحافة الغربية» بشكل عام.. ومنذ ذلك الحين وأنا مهتمة أيضا بموضوع «بلاغيات التعمية والتضليل في الصحافة العربية» بشكل خاص..

الآراء المطروحة تعبر عن رأي كاتبها وليس بالضرورة أنها تعبر عن الموقف الرسمي لـ "ريال ميديا"

كلمات دلالية

اقرأ المزيد

تحقيقات وتقارير

ثقافة وفن

مساحة اعلانية

آراء ومقالات

منوعات