الخميس 18 ابريل 2024

  • أسعار العملات
    العملة سعر الشراء سعر البيع
    الدولار الامـريكي 3.78 3.8
    الدينــار الأردنــــي 5.35 5.37
    الـــيــــــــــــــــــــــــورو 3.04 4.06
    الجـنيـه المـصــري 0.1 0.12

"أصل الشقاء" أول رواية فلسطينية مصادرة

  • 23:15 PM

  • 2021-10-02

ناهـض زقـوت:

هزت الوسط الثقافي الفلسطيني في أول عهد الاحتلال الانجليزي حادثة أدبية لم يسبق لها مثيل في فلسطين، فقد أعلن القضاء عن مصادرة رواية (أصل الشقاء) ومحاكمة صاحبها وإلزامه بغرامة مالية وذلك في سنة 1921م. ولم تكن المصادرة من السلطات البريطانية، بل كانت من رجال الدين المسيحي الذين اعتبروا الرواية هي انتقاد لهم ولممارساتهم الدينية. وقد وقفت الصحافة العربية الفلسطينية ضد المصادرة، وتابعت حيثيات القضية على صفحاتها وفي أروقة القضاء.

رواية (أصل الشقاء) المصادرة هي رواية اجتماعية غرامية أدبية انتقادية، وضعها الكاتب الأديب يوحنا خليل دكرت منشئ مجلة بيت لحم. الكاتب من مواليد بيت لحم سنة 1898م وعاش معظم حياته في الأرجنتين، وبعد عودته مع عائلته إلى موطنه الأصلي بيت لحم سنة 1919م ساهم في تأسيس النادي الأدبي وتولى رئاسته، وكان عيسى الخوري باسيل البندك سكرتيراً للنادي، وكان من نشاطاته السياسية إلى جانب الفعاليات الأدبية تنظيم المسيرات ضد سياسة بريطانيا. وقد عمل النادي على فتح مدرسة ليلية لتعليم الكبار وضمت نحو مائة طالب.

كان النادي يهدف إلى إرساء أسس المجتمع العلماني المتحرر من نير الجهل والتعصب والطائفية والعشائرية والحزبية، ومن خلال النادي أصدر مجلة "بيت لحم"، وكانت تطبع في مطبعة دير الروم الارثوذكس في القدس، وهي مجلة شهرية اجتماعية أخلاقية تاريخية أدبية فكاهية لصاحبيها يوحنا خليل دكرت وعيسى الخوري البندك. كانت المجلة تصدر عشرة أشهر بالسنة، وفي مقابل الشهرين الباقيين، كانت المجلة تعوض المشتركين، في داخل البلاد وخارجها بكتاب ثمين. صدر العدد الأول من المجلة بشهر أيلول من عام 1919م، واستمرت لمدة سنتين.

كان الموضوع العام الذي يربط كتاب المجلة وكتاباتهم هو الاعتزاز بتراثهم العربي وقوميتهم العربية، ورفض الهجرة اليهودية والوطن اليهودي، والمطالبة بتحرير البلاد من نير الاستعمار، والوحدة السورية. هاجمت المجلة الأمراض الاجتماعية الفتاكة التي كانت تحول دون تحقيق الوحدة الوطنية مثل الجهل والتعصب والطائفية والعشائرية، وكذلك حاربت حركة الاستيطان الصهيونية نثراً وشعراً.

وقد كتب خليل دكرت مجموعة من الروايات، وكان يهديها لقراء المجلة ومشتركيها في نهاية كل سنة قبل أن ينشرها في كتاب مستقل، ومن الروايات التي كتبها رواية (ظلم الوالدين) في سنة 1920م وهي رواية أخلاقية غرامية اجتماعية، وفيها كثير من المواعظ والعبر بأسلوب شيق جميل تتوافق مع الذوق السائد آنذاك، وكانت هدية المشتركين في السنة الأولى. وكانت روايته (أصل الشقاء) المصادرة هديته لمشتركي المجلة في سنتها الثانية سنة 1921م.

وحين نشرت الرواية على صفحات المجلة، واطلع عليها رجال الدين المسيحي ثارت ثائرتهم ضد المجلة وصاحبها، لما فيها من انتقاد لبعض أعمالهم وممارساتهم التي تتنافى مع جوهر الدين. وقد كان لهم كثير من الانتقاد لتوجهات المجلة، ولبعض الموضوعات التي كانت تنشر على صفحاتها.

وقد أثار رجال الدين ثورة ضد يوحنا خليل دكرت وروايته وطالبوا بمصادرتها، لذلك لم يتيسر له نشرها في كتاب مستقل. وتعود هذه الثورة في جذورها إلى الخلاف القائم على أشده آنذاك بين العرب الأرثوذكس والكهنة اليونانيين، حول سيطرة القيادة الروحية اليونانية الممثلة تنظيمياً بما يعرف بـ"أخوية القبر المقدس" على كل مناحي الحياة في الطائفة، وقد قاد هذا الصراع الرافض لسيطرة اللاتين على شؤون الكنيسة الأرثوذكسية عدد من الكتاب والمفكرين أمثال خليل بيدس، وخليل السكاكيني، وخليل دكرت، وكانت مطالبهم تعريب الكنيسة الأرثوذكسية، وقد تناول خليل السكاكيني القضية الأرثوذكسية في مساحة واسعة من يومياته، وكتب فصلاً كاملاً بعنوان "النهضة الأرثوذكسية" يتحدث فيه عن مشروع تصحيح مسار الكنيسة، وانتهى موقفه بالانشقاق عن الكنيسة.

هذه الخلافات والصراعات القائمة ضد كهنة اللاتين في الكنيسة الأرثوذكسية هي التي دفعت البطريرك اللاتيني إلى رفع الدعوى على مؤلف رواية (أصل الشقاء) إلى المحاكم، فقد اعتبر أن الانتقاد موجه لهم ولسياستهم في الكنيسة. وعقدت المحكمة الابتدائية هيئتها في سنة 1921م، وأصدرت حكمها بفرض غرامة مالية على المؤلف، ومنع اصدار الرواية.

ولكن خليل دكرت لم يستسلم لهذا الموقف القضائي، فاستأنف الحكم ونقلت الدعوى إلى محكمة الاستئناف العليا، وعين دكرت وكيلاً عنه في هذه القضية القانونية المحامي دعيبس المر، وسافر مع والده إلى أمريكا إثر تعرض تجارتهم للخسارة المالية، فقام المحامي دعيبس بحق الوكالة أحسن قيام ودافع عن موكله، هو ومعاونه المحامي مغنم مغنم.

وبعد أن درست محكمة الاستئناف العليا هذه القضية بما تقتضيه من النزاهة والتروي، فحكمت بتبرئة صاحب الرواية ونقضت الحكم الابتدائي عليه. فكان هذا بمثابة انتصار لحرية التعبير والفكر. إلا أن خليل دكرت لم ينشر الرواية لغيابه عن الوطن، ولكنها سجلت في التاريخ الروائي الفلسطيني كرواية صدرت سنة 1921م.

الآراء المطروحة تعبر عن رأي كاتبها وليس بالضرورة أنها تعبر عن الموقف الرسمي لـ "ريال ميديا"

كلمات دلالية

اقرأ المزيد

تحقيقات وتقارير

ثقافة وفن

مساحة اعلانية

آراء ومقالات

منوعات