الاربعاء 29 اكتوبر 2025
| العملة | سعر الشراء | سعر البيع |
|---|---|---|
| الدولار الامـريكي | 3.78 | 3.8 |
| الدينــار الأردنــــي | 5.35 | 5.37 |
| الـــيــــــــــــــــــــــــورو | 3.04 | 4.06 |
| الجـنيـه المـصــري | 0.1 | 0.12 |
أ. محمد جلال عيسى*..
تنبع القيمة الجمالية للعمل الأدبي من اللغة التي يوظفها المبدع, وطريقة التشكيل في استخدام المفردات, وتحميلها دلالات جديدة, وتكمن الدهشة الجمالية لنونية محمد الشاعر من التشكيل اللغوي الذي يهبها شعريتها الجمالية, الناجمة من قوة المخيلة الشعرية الإبداعية – عند الشاعر- والتي تتحكم في فاعلية الانزياحات الشعرية ومصدر غناها, "فالاستخدام الشعري للغة كطاقات وقوى توجه مسير العبارة، وتؤثر بفضل تسلسل أنغامها غير العادية تأثيراً سحرياً غير عادياً، وهذا التأثير يساهم بالمقدار نفسه في خلق الإحساس بالموقف الشعري، أو التجربة الشعرية"(الورقي,1984: 670) مما يثير اللغة الشعرية، ويحقق عنصر جاذبيتها المؤثر في الأنساق والأبنية والاستنادات الجمالية على مستوى اللغة وإيقاعاتها.
وأبرز ما تثيرنا في نونية محمد الشاعر انزياحاتها الفنية التي توجِّه العبارة الشعرية، توجيهاً جمالياً، فالمتغير الأسلوبي الانزياحي في نونيته متغير فني تصويري, يحاول الشاعر من خلاله ارتياد فضاءات رؤيوية محلقة في الاستشفاف والتخليق الجمالي، كما في قوله:
الــقُـدسُ أمـسـيـةُ الـيـنابيعِ الَّـتِـي تــحـلـو بِـمـلـحِ قـصـائـدِ الــخِـلَّانِ
فقيمة الجمال في شعرية البيت ليست في الانزياح كقيمة جمالية منتجة بمؤشرها الجمالي، وإنما بما تحققه من جمالية على مستوى تفاعل الأنساق الشعرية والجمالية، فمحمد الشاعر يوظف الدوال ويخلق من إيقاعها الشعري قيمة بؤرية مكثفة للمعاني والدلالات الجديدة؛ فيضعنا أمام انزياحات شاعرية تبين عمق اللغة بإيقاعاتها التجاذبية الفاعلة ومنحاها الشاعري المؤثر، هنا حقق الشاعر انزياح لغوي جمالي بقوله: (أمسية الينابيع) التي أسندها إلى القدس، وهنا دلالة على جمالية المشهد الشعري، وعمق الصورة بصفة جديدة غير مقتصر على أن القدس أمسية للينابيع؛ وإنما من فضاء الدلالة والتخييل الجمالي, إذ يسبق محمد الشاعر البيت السابق بقوله:
الـقُـدسُ مـركـزُ كـلِّ شـيءٍ حـولَها مــقــرونــةٌ بــالــعِــزِّ والــسُّـلـطـانِ
فالينابيع وكل مراكز الوجود, وكل كيان أراد العز والسلطان يوجه نظره نحو القدس, وكأن اللفظة الشعرية التي أثارها محمد الشاعر حقق من خلالها قيمة بؤرية في التحفيز الجمالي والمعنوي، وهي (أمسية الينابيع) المنسابة مع تدفق العبارات الشعرية، لتكتمل الرؤية الشعرية, ورغم أن الانزياح الشعري في نونية محمد الشاعر يحمل قيمة جمالية مؤثرة في توليد الدلالات والمعاني الجديدة في القصيدة، إلا أن الواقع الشعري هو الذي يفرض قيمته الأسلوبية على النص عندما يكون الشاعر متخماً بالرؤى والمعاني العميقة والذكريات لأحداث الماضي، ومنه قوله:
الــقُــدسُ تــاريــخٌ يــعـلِّـمُ أهــلَــهُ أنَّ الـــبِـــلادَ تـــعـــودُ لـلـكَـنْـعـانِي
القدسُ تـحريرُ الـصَّـلاحِ وفـتــحُهُ حَـرَمَ الـعـقيدَةِ مِـنْ فَـمِ الـصُّـلْبـانِ
الــقـدسُ حـطِّينُ الـمعارِكِ نُـصْـرةً بــقـيـادَةِ الــقـــاداتِ والـفُــرسَـانِ
ونجد أن المتحول الجمالي في هذه الأبيات يتمركز حول التشكيل النسقي، والدلالة المؤثرة المنتجة للمعاني الجديدة، وعلى ما يبدو جاء الانزياح حافلاً بالمعاني والدلالات الجديدة، إذ يتحول النسق الشعري إلى قيمة تساؤلية تفتح باب المساءلة الجمالية على شاكلة قوله المضمرة: (كيف حرر صلاح الدين القدس؟ وكيف انتصر في حطين؟), فالشاعر في هذا التساؤل يتيح لمخيلته العنان على أمجاد من الماضي راسخ في الذاكرة وما هذه التساؤلات إلا لاستفزاز المخيلة وكسر حاجز الاغتراب بالتساؤلات المأزومة التي تفضي إلى رصد ذكريات من الماضي واسترجاعها بلهفة شاعرية مفعمة بالوله والدفق الروحي. ويوظف الشاعر محمد الشاعر الانزياح الشعري في نونيته, معتمداً على عنصري المفاجأة والإدهاش في تحفيز الرؤى الشعرية، وتحميلها دلالات جديدة ما كانت لها أن تتشكل لولا هذا العنصر الجمالي الذي حققته بانزياحها، فالقيمة الشاعرية ليست ماثلة في شكل الانزياح وطريقته فحسب، وإنما بفضاء الرؤيا الجمالية التي تشغلها هذه الانزياحات لتحقق عنصر تأثيرها المفاجأة، كما في قوله:
الــقدسُ للعُــشَّاقِ بـيـتُ زَفـــافِهم مُـتــوَشِّـحٌ بِـــالـمَجْدِ والـــتِّيــجَانِ
القدسُ نُــورُ حبــيـبَتي لمَّـا زَهَــتْ بِــقـصيدةٍ للـــشَّـــاعر الــنُّــورانــي
والمتأمل في البيتين يجد أن الانزياح فيهما هو انزياح رومانسي في تعيين الدلالات الرومانسية الشاعرية اللامتوقعة، وكأن الشاعر عمد إلى هذه الانزياحات، ليثير المتلقي جمالياً بأنساقه الشعرية الرومانسية، ففي قوله: (بيت زفافهم) انزياح يدل على شاعرية مرهفة، لاسيما بالإسناد الجمالي الرومانسي( القدس نور حبيبتي)، التي تدل على كامل الود والاحترام والتأثر بالأثر الذي تركته مخطوبته (نور) في هذا الرجل الودود الذي ينشد للقدس، ثم يفاجئنا بالانزياح الأسلوبي الجمالي في لفظ (النوراني), وذلك أيضاً لدوال والتراكيب التي يطوعها الشاعر ليخلق حركة جمالية تفتح باب التأمل على مصراعيه بالانفتاح على فضاء رومانسي خصيب بالدلالات الشاعرية المفتوحة التي تبثها الحبيبة لمحبوبها من إحساس عاطفي يزداد استثارة كلما توغلنا في القصيدة, ومنها الآتية:(يـقينُ الـحُبِّ, زيــتـونُ الـفـؤادِ, مـــوروثــةً بــالــحُـبِّ والـتِّـحـنـانِ, للعُــشَّاقِ بـيـتُ زَفـــافِهم, بـوجـهِها الـفَـتَّانِ, بـوصـلةُ الـشُّـعورِ, مـهرُ الـحُبِّ, بـالـعـاشِقِ الـولـهـانِ, تَـزِدْ فــي حُــبِّـها تـســمُو بــلا أثـمـــانِ, عاصِـمةُ الـحنينِ ولـهــفةٌ, لـلــشَّوقِ والأشـــواقِ والأشـــجَانِ).
وغالباً ما يوظف محمد الشاعر في نونيته -موضوع الدراسة- الانزياح الفني أو الجمالي على إثر الرؤى والبنى الشعرية، فالانزياح عنده لا يتحدد بالشكل الأسلوبي فقط, وإنما أيضاً بالقدر الجمالي والفضاء الدلالي المفتوح، كما في قوله:
الـقـدسُ بـوصـلةُ الـشُّـعورِ تـوجُّهًا تــهـفـو إلــيْـهـا طــيـنـةُ الإنْــسُـانِ
الـقـدسُ مـهرُ الـحُبِّ كـيفَ تُـريدُهُ يــــا مَـرحـبًـا بـالـعـاشِقِ الـولـهـانِ
الـقُـدسُ مـركـزُ كـلِّ شـيءٍ حـولَها مــقــرونــةٌ بــالــعِــزِّ والــسُّـلـطـانِ
والمتأمل في الحبكة الجمالية في الانزياح الفنية في الأبيات يجد أنه نظم على الوعي الرومانسي، وخلق المثيرات الجمالية في الدلالات التي تثيرها هذه الانزياحات لتحقق مبتغاها الفني، إذ جعل القدس هي المؤشر لشعور الإنسان الذي يداهمه ويمضي به مسرعاً كمن يسابق نحو العز والسلطان، ثم فاجأنا بالانزياح الرومانسي الذي عبر عن حرقته في سبيل الإسراع نحو تحرير القدس فهي ميثاق الحب وبدون فلا يكون الحب والوفاء، فتتحول القدس انطلاقة للمحبين والعشاق, هذا ويشكل الانزياح في القصيدة أيقونة دلالية مكثفة للرؤى والدلالات المنتجة للمعاني والدلالات الجديدة، لتبرز كقيمة منتجة مؤثرة في مجرى السياق والدلالة الشعرية، إذ يقول محمد الشاعر:
الـقُـدسُ فـلسَفةُ الـفلسطينيِّ هـل لـلقدْسِ مـثلُهَ مِـنْ شـبيهٍ ثَـانِ ؟!
الـقُدسُ تقوى السَّائلينَ عَنِ الهُدَى والــسَّــائـلاتِ ســجـيَّـةَ الإيــمــانِ
الـقُـدسُ تـوءَمَـةُ الـعيونِ إذا نَـمْتَ ذهــبــيَّـةَ الأحـــــداقِ والأجْــفَــانِ
جاء التساؤل محركاً للرؤية الشعرية، بانزياحه عن دائرة التساؤل السطحي؛ ليقول أنه ليس هناك فلسفة تناسب القدس غير الفلسطيني الذي لا يعرف إلا فلسفة القدس, وجاء الانزياح الشعري في هذه الأبيات مركباً على شكل طبقات تصويرية مكثفة للصورة، أي صورة تتركب من صورة لتخلق الانزياح المتدفق بالرؤى المركبة، بالانتقال من صورة إلى صورة ، فالانزياح الأول: (الـقُـدسُ فـلسَفةُ الـفلسطينيِّ)، ثم خلق انزياحاً مركباً على الانزياح الأول:(هـل لـلقدْسِ مـثلُهَ مِـنْ شـبيهٍ ثَـانِ)، ثم خلق انزياحاً مركباً على الانزياح الثاني:(الـقُدسُ تقوى السَّائلينَ عَنِ الهُدَى)، وهكذا ينتقل في انزياحاته من صورة مشهدية متخيلة إلى صورة مشهدية أكثر تخيلاً وإمتاعاً على شكل متواليات من الصور.
ونلاحظ في المتغيرات الأسلوبية التي تبثها نونية محمد الشاعر أن القصيدة تتضمن عدة مقاطع وكل مقطع شعري اتخذ دلالات خاصةً به ضمن ما يسمى شعرية الرؤيا، وهذه الرؤية تجعل لكل مقطع توجهاته المقاومة ورؤيته الشعورية المنتصرة، يقول:
الـقـدسُ إسـراءُ الـجعابيصِ الَّـتي وَقَــفـتْ بــوجـهِ دنــاءَةِ الـسَّـجانِ
الـقُـدسُ بـاسِـلُ والـدِّمـاءُ قـميصُهُ وجــدَ الإجـابَـةَ فــي عُـروقِ بَـيانِ
وينتقل شاعرنا من رؤية إلى رؤية ومن دلالة إلى دلالة، تبعاً للمتغير الأسلوبي الجمالي الذي تشكله القصيدة في تكوين إيقاعها الجمالي من حيث تكثيف الدلالات، وإظهار الأنساق التفاعلية المتواشجة على مستوى حراك البنى وإظهار المتحولات الجمالية كما في قوله:
الــقـدسُ زيــتـونُ الـفـؤادِ وزيـتُـهِ ومـقـامُهُ الأشـهَـى عـلى الـعصيانِ
الــقـدْسُ أمُّ الأرضِ أصــلُ ثـبـاِتها نـبـضُّ الــتُّـرابِ وشُـعـلةُ الـبُـركانِ
الـقدسُ روحُ طـفولةٍ فـي سِحرِها مـــلأى بـطـهـرِ شـقـائـقِ الـنُّـعـمانِ
الـقـدْسُ أوَّلُـهـا الـسَّـماءُ إذا بَـكْـتْ تــتــفــجَّـرُ الأرواحُ كــالــطُّــوفـانِ
لابد من الإشارة هنا إلى أن شعرية الشاعر تتأسس على دينامية القوافي وسحرها وإيقاعها الموسيقي الذي يتناسب مع نسق الصور الشعرية المؤسسة للحراك الجمالي، من حيث التكثيف والإيحاء، والتشكيل الإبداعي المتناغم من الموسيقى الإيقاعية, (العصيان / شعلة البركان / شقائق النعمان/ كالطوفان), وهذا الأسلوب التشكيلي الموسيقي الذي اعتمده الشاعر في نظم قصيدته على تفعيلة البحر الكامل حرك الأنساق الجمالية في القصيدة؛ لتعبر عن إحساس القوة والإيمان وحالة الطهر والبراءة في القدس وحب الشاعر لها, يقول:
الـقُدسُ مـمْلَكةُ الـقلوبِ ولـم تَـزَلْ مـــوروثــةً بــالــحُـبِّ والـتِّـحـنـانِ
وهذه دلالة على هيمنة المعشوق على ذات العاشق، في مفعمة بالأحاسيس والرؤى الدالة تدلل على شعرية البث الوجدي المفعم رقة وصبابة, والدال على حرفية جمالية في الانتقال من نسق شعري إلى آخر محققاً قيمة جمالية, فيقول أيضاً:
الـقدسُ مـعراجُ الـسَّماءِ إلى النُّهَى وبــدايـةُ الـتَّـوحيدِ فــي الأكــوانِ
الـقدسُ مـعركةُ الشَّهادَةِ في دَمِي وَلـهـا يـقينُ الـحُبِّ فـي الـوجدانِ
تمتلك الصورة الشعرية هنا مؤشراً جمالياً, من خلال المكان الذي عرج بمحمد (صلى الله عليه وسلم) منه إلى أعلى السماء ونقطة النهاية عند عرش الرحمن, والمفارقة الحادة في الدلالة بين (البداية والنهاية)، وأصبح هذا المكان محط الصراع والحب عند الشاعر، حتى أن هذا الصراع أصبح هو الحب في وجدان الشاعر, فالشعرية التي تشكلها القصيدة تحقق أقصى درجات الاستثارة والجمالية في النسق الشعري الذي تثيره.
*ماجستير الأدب والنقد:
2025-10-26
13:26 PM
2025-10-24
13:30 PM
2025-10-20
15:04 PM
2025-10-17
14:06 PM
2025-10-16
14:42 PM
2023-05-21 | 17:12 PM
صور ثلاثية الأبعاد لحطام تيتانيك تحاول البحث في ظروف غرقها