الخميس 28 مارس 2024

  • أسعار العملات
    العملة سعر الشراء سعر البيع
    الدولار الامـريكي 3.78 3.8
    الدينــار الأردنــــي 5.35 5.37
    الـــيــــــــــــــــــــــــورو 3.04 4.06
    الجـنيـه المـصــري 0.1 0.12

قصة قصيرة:

موتٌ أليف

  • 22:30 PM

  • 2020-06-19

وليد العقاد:

موت قطتي ترك أثرًا واضحًا في قلبي، وعلى ملامح وجهي ارتسمت خارطة من الأحزان. لم أستطع تجاوزها بسهولة، لم أتخيل أن تموت قبلي، لقد تركت لي حياة فارغة، وانطباعات سيئة عن الحياة أضافتها إلى حصيلة عمري.
شعور الفقد، سبب عندي انفجارًا لمخزن المشاعر في قلبي، تناثرت كل أحزاني وبقي حزنٌ واحدٌ متفردٌ بعظمته، لم أدخر وقتًا للحزن، فقد بدأت مباشرة بحالة اكتئاب، أصبت بعدها بالوحدة المزمنة، أقلعت عن النوم، أدمنت شرب الدخان والقهوة، لم تكن رئتاي اللتان تسعلان كل دقيقة تهماني، ولا وجهي الذي أخذ يتقشف كصخرة كالحة، أصبحت قواي منهارة وعزيمتي على مواصلة الحياة تفتر شيئًا فشيئا، شعرت أن حياتي تخرج عن إطارها الصحيح، وتتجه نحو مسارٍ معتم، نهاية مجهولة تنتظر بطلها أن يحل عليها بكامل ضعفه.
أثناء انشغالي بالتفكير، تلعثمت خطواتي بالأرض، ذقت طعمها وأدركت أن حياتي بائسة، وأن التفكير بإنهائها اهانة حقيقية للموت، وأن الخلاص الوحيد، هو أن أتعفن واقفًا أو أحرق مع أفكاري المختلة. يستمر الوقت بالتقدم، والوجع في مكانه، كانت الريح تصفعني كل مساء، دون أن يشعر جسدي بالقشعريرة، كنتُ بليدًا لدرجة أن جلدي أصبح مصنعًا صغيرًا لملح الطعام.
مرت الأيام بشكل بطيء، لم يغادر الموت وجهي، ولا شعوري بالفقد الذي لم يفتر لثانية واحدة، كأني أتصارع مع الوقت، مرة يغلبني ومرة أغلبه بالتحايل عليه بالنوم. دائمًا كنت أفكر وأدخن، وأتساءل كيف لهذا الهدوء أن يتحول بالصباح إلى صخبٍ لا يمكن تحمله؟! كنت أسأل وأجيب أن البشر هم علّة هذه الحياة، دونهم ستسير الحياة على أكمل راحة. وهذا ما جعلني أتخلى عن جميع علاقتي واستبدالها بقطة.
أثناء بحثي عن المعنى، تساقط مطر خفيف فوق وجهي، بدأت أمسح وجهي وأحك شعري القصير بيدي الهزيلة، اعتقدت أن قنفذ سقط من السماء، أو شجرة، أو قذيفة كل شيء في هذا المساء بدى لي متوقعًا، الشيء الوحيد الذي لم أكن أتوقع حدوثه أن يكون هذا المطر الخفيف هو لعاب مصدره السماء.
اعترضت وقلت في نفسي، لن تمر هذه الليلة على خير، سأعاقب كل من يحاول السخرية مني، كنت غاية في التعصب، ولكنني هدأت بسرعة عندما صفعتني موجة هواء لطيفة، رأيت حمرة القمر قد تغيرت، وللحظة رأيت وجه قطتي، شعرت بروحها تلامس روحي، وأن نعومتها بالحضور تختلف عن حدتها بالغياب، نظرت إلى السقف باحثًا عن سر هذا الخجل المفاجئ للقمر، اعتقدت أنها مزحة أو كذبة يحاول فيها القمر لعب دور الطفل المشاغب، ولكنها كانت حرب خفية تختبئ خلف ابتسامة ساخرة، بدأ كل شيء يتحول ضدي، حتى عامود الكهرباء مد لسانه وأخذ يضحك على وجهي، ويسخر من شعر قلبي المصبوغ بالوردي، هذا الانقلاب المفاجئ جعلني أهرب إلى السرير وأغطي وجهي تحت لحاف الخوف الذي بدأ يضيق، ويشعرني أنه يحاول شرنقتي، الأشياء الغريبة تحدث، والسرير يشارك بالمؤامرة يفتح فمه عن آخره ويخرج لسانه يعتقد الملعون أني معكرونة، أهرب من مكان إلى آخر، بيتي صغير، وحجمي لا يصلح للاختباء، لا أملك أحد يخلصني من هذه الوحوش المفترسة، أهرب إلى الحمام أغلق على نفسي بإحكام، وأفكر بطريقة أطرد من خلالها الكائنات المزعجة، ربما في حياتي اليومية، كنت معتادًا على وردة تضحك، سلك كهربائي يرقص، آلة موسيقى تعزف وحدها، دودة قز تحكي لي نكتة سافلة سمعتها من نملة ثملة، أشياء كنت معتادًا عليها، لكن أن يتحول القمر إلى وحش عملاق بلسان طويل يسيل منه اللعاب مثل نافورة ملاهي فهذا لم أعهده من قبل.
هدأت الأصوات، وعادت الصور إلى وضعها الشبه طبيعي، الباب يفتح، المرحاض الذي كان يفكر بالقفز فوق رأسي أطلق زفرة راحة، وهدأ قليلًا، العالم في متناول يدي، يسترخي مثل طفلٍ وديع، الهدوء المفاجئ هو خوف مفاجئ، الأمطار لا تتوقف أقصد اللعاب لا يتوقف، والأرض تتمايل، لا أعرف هل تحاول الاعتدال أم أنها تفكر بشقلبة جديدة، الخوف يزداد، أسير فوق الأرض، صوت المرحاض في رأسي يضحك، كان يخبرني طبيبي النفسي، عندما تفقد شيئًا تحبه، ستشعر أن كل شيء يتحول ضدك حتى الله. لذلك أنا كما أنا متزن ومتعافي ولا أكره أحد، وليس لي علاقة بكائن بشري، لا أحد يعرفني ولا أعرف أحد، علاقتي مع الكائنات الحية أكثر من عادية، كنت أحب قطتي جدًا وأكره أن تخرج، حتى لا تموت بحادث سيارة أو تتسمم وهذا للأسف ما حصل، ماتت بطريقة لا تناسب لطافتها احترق قلبي عندما رأيتها تزبد أمامي، وضعت رأسها تحت كفتي، هدهدتها كمن يهدهد الموت بين يديه، قلبتها كقطعة قماش مبتلة من عرق الاجهاد، وضعتها جوار قلبي لتأخذ منه نبضة، لكنها كانت ضعيفة لا تقوى على وحش مفجع مثل الموت.
لم تجدي محاولاتي لإنعاشها أي فائدة، تراخت مثل ورقة مبتلة، طالعتني بنظرة أخيرة شعرت بحبها الصادق. رحلت قطتي المسكينة دفنتها بالقرب من رصيفنا الرملي، وضعت على قبرها وردة وعلبة تونا. مسحت دموعي استقلت سيارة أجرة، متجهًا إلى أقرب بائع حيوانات أليفة.

كلمات دلالية

اقرأ المزيد

تحقيقات وتقارير

ثقافة وفن

مساحة اعلانية

آراء ومقالات

منوعات