مواد تجميل وكريمات مزورة تغزو الأسواق الفلسطينية
تاريخ النشر : 2015-02-19 18:59

هيثم الشريف:

جولة صغيرة في الأسواق الفلسطينية كفيلة لمعاينة ظروف ترويج مواد ومستحضرات التجميل والكوزمتكس الغير ملائمة و التي تعرض في الهواء الطلق وتحت اشعة الشمس،  لكن "ما يزيد الطين بله" اغراق  الأسواق الفلسطينية بمواد ومستحضرات مزورة أو مجهولة المصدر والتركيب!! الأمر الذي يفاقم المشكلة ويزيد في احتمالية الإصابة بأمراض قد تصل في اسوأ الأحوال للإصابة بالسرطان.

على مدار  شهرين من البحث استطعنا توثيق عشرات الحالات من مختلف المحافظات لفتيات تضررن بدرجات متفاوتة جراء استخدامهن مواد تجميلية انعكس تأثيرها عليهن بكل غير متوقع، منهن الطالبة الجامعية ميس محمد الحاج قاسم من طولكرم، والتي تحدثت عن تجربتها جراءاستخدامها لكريم مستورد " استخدمت نوع كريم معروف كواقي شمس، وفي بداية استخدامه كنت استخدم كمية بسيطة لوجهي، وبعد 4 اشهر بدأت بشرتي تمتص الكريم بشكل أكبر، وبالتالي أصبحت بشرتي تحتاج لكمية أكبر لإخفاء ما بدأ يظهر على وجهي من  آثار جانبية كالبقع السوداء والحفر والحبوب، لدرجة أن الكريم ما عاد بالإمكان فركه على البشرة! وحين راجعت بعض المختصين في مجال التجميل نصحوني بداية أن اتوقف عن استخدام المنتج، كي تتمكن بشرتي من التجاوب مع العلاج، غير أنني لم اتمكن من تركه في باديء الأمر  لإدمان بشرتي عليه،  وحين تمكنت أخيرا من ذلك إحتاج علاج بشرتي  سنة ونصف كي اتخلص من الآثار السلبية عليها، ورغم ذلك فإلى الآن لا تزال بشرتي تتحسس من أي كريم أضعه على وجهي".

ومن الحالات الأخرى التي استطعنا توثيقها، حالة سحر والتي نستخدم اسما مستعارا لها بناء على طلبها، والتي استخدمت هي الأخرى مستحضرا مستوردا أدى استخدامه لتساقط جزء كبير من شعرها" كنت أرغب بإطالة شعري ، فتوجهت لإحدى مراكز التجميل، حيث نصحني مدير المركز بمنتج مستورد قال أن نتائجه ايجابية 100% ، وكي يشجعني فقد  باعني المنتج ب250 شيقل بدلا من 400 شيقل، وبعد اسابيع من استخدامه بدأت اشعر بأن شعري يتساقط، وبدأت اشعر بحراره هائلة في جلدة رأسي! فأعلمته بذلك لكنه أكد لي ان الحرقة دليل على ان المنتج يعطي مفعوله، فاستمريت بأستخدام المنتج ، لكنني وبعد اسابيع أخرى زاد تساقط العشر،  فتأثرت نفسيتي بشكل بالغ، وراجعت مدير المركز وحين شاهد شعري أعاد لي المبلغ! فقدمت لوزارة الصحة في شهر ايلول2013 شكوى رسمية لاعتقادي بأن المنتج مزور وغير اصلي".

ما اشارت له سحر دفعنا للتوجه لوزارة الصحة لمعرفة ردها حول الشكوى، حيث تسلمنا نسخة من رد الوزارة في ذات الفترة والذي جاء فيه انه لا يمكن الجزم بأن الأعراض المذكورة سببها المستحضر ذاته، ما يعني ان الوزارة كما يبدو قد اكتفت بمعرفة إذا ما كان المنتج مسجل  أو غير مسجل رسميا وأنها لم تقم بفحص تركيبة المستحضر.

ليست المشكلة بالكريمات والمستحضرات المستورده، بل تمتد إلى الكريمات المركبة محليا، فقد التقينا بالطالبة الجامعية  نغم من الخليل والتي تحدثت هي الأخرى عن تجربتها"  أثناء تسوقي عرض علي أحد أصاحب محال الكوزمتكس خلطة للتجميل، وأكد لي ان لها تأثيرا سحريا على البشرة، فابتعت المستحضر المركب محليا وبدأت في استخدامه، وبعد استخدام كامل العبوة بدأت المشاكل تظهر على وجهي، كالإحمرار والحرقة والبقع".

ولمعرفة مدى تأثير المركب اصطحبنا الفتاة إلى طبيب الجلد الدكتور عبدالرؤوف مرقة، والذي شخص الحالة، وتفحص ما تبقى من كريم في ذات العبوة، ثم سلّمنا تقرير طبي أشار من خلاله ان الفتاة  تعاني من حساسية جلدية تلامسية  نتيجة لاستعمال كريم للوجه مجهول المصدر والتركيب، وهو  الأمر الذي ادى للتهيج والإحمرار والتقشر في بشرتها .

رئيس الجمعية الفلسطينية لأطباء الأمراض الجلدية والتناسلية السابق الدكتور عبدالرؤوف مرقة  استعرض ايضا  مشاهدات من واقع عمله اليومي"99% من المستحضرات المستورده أو التي تحضّر محليا يكون مكتوب عليها أنها لإزالة البقع، النمش، الكلف، حب الشباب، وغيرها، لكن لا يكون مكتوب عليها النسب والتراكيز للمواد في العبوة، ومن واقع مشاهداتي العينية للمرضى الذين يراجعون لدي، فإن الكريمات المزورة منتشرة بشكل كبير وهي بتزايد، نظرا لأن الفتاة يجذبها شكل العبوة معتقدين أنها مصنوعة في فرنسا أو ايطاليا أو غيرها، لكنها في حقيقة  الأمر تكون مصنوعة في الصين أو تايلند أو لبنان أو غيرها، فللأسف الكثير من التجار حين يتيقنوا من أن هناك مستحضرا اصليا رائجا، ومن أن هناك إقبال كثيف عليه، يأخذون علبة منه ويسافرون للصين أو غيرها، ويطلبون عمل عبوات مشابه تماما،  دون إكتراثهم لطبيعة المادة التي تعبأ فيها، إذ ينحصر اهتمامهم على الشكل الخارجي للعبوة بغية ترويجها، وكيف يكون لها مردود مالي كبير".

وأضاف مرقة"تلك المنتجات المستورده المزورة او المركبة تكون نسب الهايدروكينون أونسب الكورتيزون أو الفيتامينc بتركيز عالي، وتتسبب في الإدمان على المنتج، وظهور حبوب شبيهة بحب الشباب،  والتي يطلق عليها حب الشباب الكورتزوني، وكل البياض الذي يتم في الأسابيع الثلاث الأولى يتحول بعد شهرين او ثلاثة اشهر إلى لون ازرق شاحب، إضافة لذلك فإن الإستعمال المتكرر لتلك المركبات التي تحوي نسب عالية غير مدروسة قد تؤدي للإصابة بسرطان الجلد".

قيام تجار بتزوير الماركات العالمية، وقيام آخرين بتركيب مواد ومستحضرات تجميلية دون مراعاة النسب المطلوبة، دفعنا للبحث عن أحد شهود العيان على ترويج تلك المنتجات، فكان ان التقينا  بمدير الأكاديمية الفلسطينية للتجميل والعناية بالبشرة السابق شريف يغمور، والذي أكد ان تجارا كانوا يأتون إليه لتسويق منتجات مزورة أو مركبة مجهولة المصدر" هؤلاء التجار يعرضون علينا منتجاتهم المزورة كما يعرضون علينا المنتجات الأصلية، وكل صنف له سعر، وطبعا من خلال خبرتنا نستطيع التمييز ما بين الأصلية والمزورة، علما أن التزوير يتم على منتجات الشركات المعروفة،  وذلك من خلال جلب الغلاف الكرتوني أو المعدني أو البلاستيكي او التيوب أو العبوة الزجاجية من الصين، ثم يقومون بتعبئة تلك العبوات دون اكتراث للنسب الواجب توفرها في كل منتج، من خلال عدة معامل كتلك الموجوده في كل من نابلس والخليل، وبالذات في المناطق التي لا تخضع في الغالب لسيطرة السلطة الوطنية الفلسطينية".

عضو نقابة اصحاب صالونات الحلاقة والتجميل في الخليل وفاء محفوظ اعتبرت ان الفتيات يقعن فريسه بأيدي التجار الذي يزورون المنتجات الأصلية أو يسوقون منتجات مركبة مجهولة المصدر"الفتاة لا يلفت نظرها إلا اسم الماركة ، دون ان تعرف إذا ما كانت اصلية أو مزورة أو مدى ضررها، نتيجة لما تحويه من نسب مرتفعة من الكورتزون في تلك المستحضرات، الأمر ينتج عنه تقرحات في الجلد لدى تلك الفتيات في أحسن الأحوال، وحقيقة ومن واقع خبرتي الممتدة لأكثر من 20 عاما، فأستطيع القول ان لا رقابة حقيقية فاعلة من قبل وزارة الصحة على هذا القطاع".

كل ذلك دفعنا للتوجه لوزارة الصحة لمعرفة ان كانت هناك  أي فحوص تجري على مستحضرات مواد التجميل، فقالت رئيس قسم مواد التجميل سحرياسين "أهم فحوصات الكوزمتكس من كريمات ومعجون اسنان هو فحص (البي اتش) لأنه تأثيره مباشر على البشرة، علما أن جزء من الفحوصات التي نقوم بها ترسل لقسم الكيمياء للتأكد من خلو المنتج من( المايكرو) وهذا هو دورنا كفنيين وفي حال ثبوت وجود إشكالية  نحول الأمر لدائرة الجودة الدوائية صاحبة القرار بموضوع منع أو السماح بترويج تلك المستحضرات".

مدير دائرة الترخيص والجودة الدوائية  في وزارة الصحة سرين القاروط أكدت  انه وبناء على نتائج تحليل العينات التي تصل من المختبرات، يكون هناك  قرارات او توصيات معينة، فإن كان هناك أثر سلبي على صحة المواطن وفق نتائج التحليل، فمن الممكن ان يتم سحب  المنتج من الأسواق، أو اغلاق المصنع او خط الانتاج، علما أن هناك  شروط ومتطلبات واضحة بشأن ترخيص مصانع مواد التجميل من النواحي الفنية والصحية".

من جهته أكد مدير دائرة التسجيل الدوائي في وزارة الصحة م. محمد المحاريق أن الكوزمتكس ومواد التبييض وحتى الشامبو تقع جميعها تحت بند مواد ومستحضرات التجميل وأضاف" كسلطة فلسطينية بدأنا بتسجيل مواد التجميل عام 1997وكان ذلك بمثابة انجاز وطني لأن الأسرائيليين كانوا يرفضون الإعتراف بتسجيلنا، ومن حينها ونحن نعطي التجار رخص استيراد تلك المواد بشكل مباشر، ومع ذلك فإن تلك المنتجات تمر عبر الإسرائيليين ويدققوا عليها، نظرا لعدم وجود موانيء أو مرافيء لدينا".

أما فيما يتعلق برواج مستحضرات مستورده مزوره أو مركبة مجهولة المصدر  فقد اعتبر المحاريق أن المشكلة الحقيقية تكمن في المستحضرات الغير مسجلة والتي تأتي عبر الحدود من اسرائيل" عدد من التجار إما يهربون بضائع اسرائيلية الصنع، أو يستوردون من خلال التجار اسرائيليين منتجات غير شرعية مهربة، والتي تمرعبر الموانيء التي تتحكم بها اسرائيل 100%، حتى وان ادعت اسرائيل فرض رقابتها الكاملة والشاملة على تلك الموانيء، وهناك الكثير من الحالات  التي ضبطت من خلالنا أومن خلال الضابطة لمنتجات ومواد تجميل مزورة غير مسجلة لا لدينا ولا مسجلة لدى الجانب الإسرائيلي".

وفما يتصل بأعداد مصانع أو مستودعات قطاع مواد التجميل قال مدير دائرة التسجيل الدوائي" عدد مستحضرات مواد التجميل المحلية أو الأجنبية المسجلة لدينا  حوالي 4700 مستحضر، وعدد المستودعات  المستورده للمستحضرات الأجنبية 107 مستودعات مرخصه، أما عدد الوكالات الأجنبية(مع الأخذ بالإعتبار أن بعض المستودعات يكون لديها أكثر من وكالة) فلدينا  250 وكالة اجنبية، فيما محليا يوجد لدينا 11 مصنع محلي مرخص في قطاع مواد ومستحضرات التجميل، مع ذلك وبكل صراحة فإن هذا العدد من المصانع ربما يكون في محافظة واحدة!! بمعنى أن هناك مصانع غير مسجلة لدينا، إذ ان المشكلة تكمن في أن بعض اصحاب المصانع يأخذوا موافقة على انشاء المصنع من وزارة الإقتصاد الوطني ولا يراجعوننا، معتبرين انهم قد حصلوا بذلك على الترخيص المطلوب، وقد تمت مخاطبة وزارة الإقتصاد الوطني بالخصوص أكثر من مره، وطالبناهم بتزويدنا بأسماء تلك المصانع كي يتم التعامل معها بالطرق الفنية، ولكننا للآن لم نستلم تلك القوائم، وعليه فليس لدينا فكرة كاملة عما تم اعطاءه تراخيص لمصانع مستحضرات تجميل من قبل وزارة الإقتصاد الوطني، بالتالي فإن المسؤولية تقع على وزارة الإقتصاد الوطني التي يفترض بها ان ترشد من يريد أن يرخص مصنع ان يتوجه لوزارة الصحة لاستكمال الإجراءات الفنية".

وفي الوقت الذي لم يتجاوز الرقم  11 مصنعا بحسب وزارة الصحة، بينت إحصائيات وزارة الإقتصاد الوطني ان هناك اكثر من 35 مصنعا وشركة مسجلين في هذا القطاع، فكان لا بد من معرفة أسباب الفرق في أعداد المسجلين بنفس القطاع لدى الوزارتين، وإعطاء حق الرد للوزارة، حيث التقينا بمدير عام الصناعة والمصادر الطبيعية في وزارة الإقتصاد الوطني م. منال فرحان والتي ردت"أولا  نحن لا نعطي اجراء ترخيص تشغيلي، فوزارة الصحة هي المسؤولة عن ذلك، فالرخصة التي نمنحها للمصانع هي رخصة الإقامة المتعلقة  بالبناء وشراء الأجهزة والآلات، وعادة ما نراسل دائرة صحة البيئة في وزارة الصحة في حال تقدمت إلينا منشآت للترخيص متصلة بهذا القطاع، عليه فإن هناك قاعدة بيانات كبيرة لدى دائرة صحة البيئة".

لكن فرحان أشارت لوجود إختلاف في تعريف مصانع مواد التجميل بين الوزارتين" رخصة تشغيل  مصانع مواد التجميل من مسؤولية وزارة الإقتصاد، وإن كانت مصانع مواد تنظيف تنتج مثلا 20 صنف بينهم  صنف واحد كالشامبو مثلا ، وهنا الإختلاف حيث تعد وزارة الصحة ان أي مصنع ينتج الشامبو كمصنع مواد تجميل، حتى لوك كان صنف من بين 20 صنف مواد تنظيف، بالتالي فنحن لا نراسل وزارة الصحة بشأن تلك المصانع كي لا تسجل  كمصانع أودية ومستحضرات تجميل، لأننا لا نقبل أن نخاطر بتسليم بعض القطاعات الصغيرة جدا، كي لا يتم ارغامها على  بعض الشروط التي  قد تؤدي إلى إغلاقها، علما أننا إلى الآن لم  نستلم كتاب رسمي من وزارة الصحة  لإعطاء هذه المعلومات، أما إن كانت وزارة الصحة قد توجهت لدوائر أخرى في وزارة الإقتصاد الوطني، فالدوائر الأخرى ليست هي المخولة لإعطاء قاعدة البيانات، وبصراحة دعني أقول أن 60% من المصانع في فلسطين هي اصلا مصانع غير مسجلة  لدى أي من الوزارتين!!".

ورغم التداخل في الصلاحيات بين الوزارات وعدم وضوحها، يبقي الباب مفتحا لآطنان من المواد التجميلية الفاسدة  المزورة أومجهولة المصدر، التي لا تزال تدخل الى مناطق السلطة الفلسطينية،  منها ما يتم ضبطه وٌاتلافه وآخرى تجد طريقها للاسواق .

وبحسب  إحصائيات الضابطة الجمركية  المتعلقة بقطاع مواد التجميل المزورة  أو  منتهية الصلاحية للعام2013 وحتى نهاية أيلول2014 ، فقد تم التحرز وضبط أكثر من 55 ألف عبوة  من خلالا 170 حالة ضبط، ففي  العام 2013 تم تسجيل 30 قضية تقليد وانتحال العلامة التجارية، وأتلف 30 طن من بينها 16 طن  لمواد تجميل مقلدة  لماركات اسبانية وفرنسية، أما في العام2014 وحتى نهاية شهر أيلول الماضي فقد تم تسجيل 51 قضية تقليد وانتحال العلامة التجارية، وأتلفت خمسة أطنان.

أما نيابة مكافحة الجرائم الإقتصادية فقد بينت الإحصائيات لديها ان القضايا المثبتة لذات الفترة  بخصوص  تداول مواد تجميل مزورة 9 قضايا موزعة على 4 محافظات، وأن من اسباب تلك القضايا العثور على عبوات مواد تجميل لماركات مشهورة فارغة معدة للتعبئة محليا، ومن أنه قد تم إغلاق أكثر من مصنع ومعمل في كل من الخليل ونابلس.

وبين كل هذه الجهات الرقابية لا تزال مئات الإعلانات المنشورة علي صفحات التواصل الإجتماعي والقنوات الفضائية والصحف تغري النساء باكسير الجمال بكبسولة تأخذها لآيام قليله.