العكوب.. شهادة ميلاد وفرحة أغنياء وأشواك للفقراء
تاريخ النشر : 2015-02-16 00:50

نابلس  -  " ريال ميديا":

تروي الشاعرة الفلسطينية الراحلة فدوى طوقان تفاصيل لحظات ولادتها التي قصتها عليها أمها فتقول: "ولدتني أمي وهي تنظف أكواز العكوب من أشواكها"، وكانت فدوى طوقان تعتبر تلك الحادثة بمثابة "شهادة الميلاد الوحيدة التي تحملها أمها".
وتدرك الشاعرة الراحلة أهمية العكوب في حياة الفلسطينيين، لذلك تتفاخر بأن شهادة ولادتها مرتبطة بهذا النبات الشوكي، وأعطتها تلك الشهادة فرصة لمحاولة معرفة موعد ولادتها الحقيقي الذي تجهله أمها، خاصة أن للعكوب مواعيد محددة من السنة لقطفه وتنظيفه، ولا يحل موسمه إلا في فصل الشتاء.
وفي نابلس كغيرها من المدن يقولون: ان العكوب "طبق الأغنياء الذي تُغرز أشواكه في أيدي قاطفيه الفقراء". 
تشعر الحاجة أم شاهر بالسعادة وهي تقطف نبات العكوب بالقرب من مستوطنة "ألون موريه" المقامة على أراضي المواطنين، لا تخشى رصاصة قادمة من جندي احتلالي يراقب تحركاتها، ولا تأبه بمستوطن يتربص بفلسطيني ليقتله، كل ما تريده ان تجمع أكبر قدر ممكن من نبات العكوب لبيعه في الأسواق، وتحقيق مصدر دخل اضافي لعائلتها.
أم شاهر اعتادت على هذه المهمة منذ عشر سنوات، ورغم متاعبها، والأشواك القاسية التي تنخز يدها دائما إلا أنها تشعر بالسعادة عندما تبيع محصولها الذي جمعته في أكياس بلاستيكية نجحت الأشواك في اختراق اجزاء واسعة منها.
تبيع أم شاهد العكوب لأحد محلات الخضار في مدينة نابلس ويشتري منها الكيلو بعشرة شواقل، ويبيع ذات المحل بـ ـ15 شيقلا على حاله ودون تنظيفه من الأشواك، أما في حال تنظيفه فيصل سعر الكيلو الواحد إلى 40 شيقلا.
ولا تخوض أم شاهر تجربة تنظيف العكوب وبيعه جاهزا وتكتفي بما تقوم به من مهمات جمعه ونقله إلى نابلس وبيعه كما هو، معتبرة أن مهمة تنظيفه صعبة وشاقة ويكفيها أنها تقطفه وتتحمل المخاطر لجمعه في الجبال الوعرة والخطرة أيضا.
وفي الوقت الذي يفضل فيه الكثيرون شراء العكوب بأشواكه وتنظيفه في المنازل بهدف توفير الأموال، إلا أن آخرين يفضلون أن يشتروه جاهزا للطهي فيضطرون لدفع 40 شيقلا للكيلو الواحد، واللافت أن أهالي نابلس لا يشترون كيلو أو اثنين، انما يصل الأمر أن تشتري عائلة واحد أكثر من 20 كيلو من العكوب الجاهز وتخزينه في الثلاجات ليبقى حاضرا على المائدة على مدار العام. 

عجلة متكاملة
وبسبب صعوبة تنظيف العكوب من الأشواك، وجدت بعض العائلات الفقيرة في مدينة نابلس في عملية التنظيف مصدرا للرزق.
واتفقت أم محمد من البلدة القديمة في مدينة نابلس مع صاحب أحد المحلات على أخذ العكوب وتنظيفه ليصبح جاهزا للبيع، وتأخذ نحو خمسة شواقل مقابل كل كيلو عكوب جاهزة. 
تجلس أم محمد ومعها بناتها في ساحة منزلها الصغيرة في البلدة القديمة، وتمضي ساعات طويلة في تنظيف العكوب، معتبرة أن تلك المهمة من شأنها تحسين الوضع الاقتصادي لعائلاتها، وربما تنجح في توفير جزء من قسط ابنتها الجامعي، وتساعد زوجها في مصاريف المنزل ونفقاته اليومية.
تقول أم محمد وهي تمسك مقصا خاصا لتنظيف العكوب ان العملية التي تقوم بها تُسمى "تعكيف"، وقد شجعتها عليها احدى جاراتها التي تعمل في هذه المهنة منذ سنوات. 
أم محمد تشكو من خشونة يديها بفعل هذا العمل، لكنها تصر على المواصلة معتبرة أن هذه الفرصة لا تتكرر إلا لمدة شهر أو شهرين في كل سنة وعليها أن تتحمل ذلك.
ويشعر المواطنون بالفرحة في موسم العكوب، وراح أحد المواطنين يربط الأدب الفلسطيني بالعكوب عندما كان يسأل عن السعر ويطالب البائع بتخفيض الأسعار لعدم حرمان الناس من هذا الطبق الشهي قائلا: "الكاتب سلمان أطلق على أحد فصوله كتابه اسم (فرحة العكوب) كدليل على فرحة الناس بتناول هذا الطبق اللذيذ".
هذه الفرحة لدى فدوى طوقان وسلمان ناطور رغم قدمها ما زالت تجد صداها داخل بيوت المواطنين لتشكل طقسا اجتماعيا وغذائيا رغم قسوة الظروف، كما أن الاحتلال كان له دور بارز في تقليص تلك الفرحة وذلك من خلال منع المواطنين من الاقتراب من المستوطنات المقامة على رؤوس الجبال وحرمانهم من جني هذا المحصول الذي يعتبر من أشهر الأكلات الشعبية النابلسية على الاطلاق.
والعكوب لمن لا يعرفه نبات شوكي يتواجد بكثرة في فلسطين لا سيما في جبال الجليل والأغوار ونابلس، وتميزت مدينة نابلس باهتمامها الشديد بهذا النوع من الغذاء فيطهونه على مدار العام سواء في موسمه أو غير موسمه حيث يتم تجفيفه وتجميده ليبقى محفوظا طوال فصول السنة.
الاهتمام بالعكوب لم يقتصر على المواطنين في الأراضي الفلسطينية فالكثير من العائلات التي تعيش في الدول العربية والأوروبية تنتظر هذا الموسم بفارغ الصبر حيث تقوم كل عائلة بارسال كميات ليست قليلة لأقاربها المتواجدين في الخارج. 
وعن ذلك تقول المواطنة أم عنان: "أقوم كل عام بشراء 50 كيلو من العكوب ونقوم بتنظيفها مع باقي افراد العائلة وجاراتنا وبعد ذلك ارسل نصف الكمية لاخوتي في الامارات الذين يعتبرون العكوب أفضل هدية وصلتهم على مدار العام".
تلك هي فرحة العكوب في فلسطين، تبدأ بأيدي الفقراء وتنتهي على موائد الأغنياء، لكن أيضا البسطاء يتذوقونه ولو بكميات أقل.

حياة وسوق - بشار دراغمة