مواضيعي تأتي في إطار فلسفة خاصة تتعلق برحلتنا القصيرة في الحياة
تاريخ النشر : 2014-12-26 23:32

غزة – " ريال ميديا " - أشرف سحويل : 

الفنانة التشكيلية الأردنية الواعدة هيلدا حياري، متعددة الجوانب ، مفتوحة الأفق بمستوى جمالي شاعري تغيب عنه الدلالات الرمزية ، فنانة مفتونة بتلقائية عالية لكل أشكال اللون و فوق ذلك فهي قادرة على إثراء مساحاتها بالإمتلاء و باسلوب خاص بها قادر على الإحاطة بكامل المساحة و السيطرة عليها من خلال الشحن و الإنفعال بالمفردات المتداخلة ، تشهد ذلك المعارض العربية و المحلية و الدولية الكثيرة التي شاركت بها ، و الجوائز القيمة التي حصدتها و التي كان آخرها في بينالي القاهرة الدولي العاشر – عمل مركب 2006 ، "إيلاف" أجرت الحوار مشفوعاً بلوحة شخصية تعكس صورتها في بحر من الدم و الحزن الممزوج بالأمل الأتي مع زهرات عباد الشمس و فيما يلي نص المقابلة.

* في السياسة – كما في الفن عموماً – ثمة أدوات و أساليب و رموز و مستويات و أهداف – إلى أين تقودين متابعي فنك و إلى أي نقطة تريدين أن توصليهم؟


أنا لا أقود متابعي فني إطلاقا ، والقضية ليست قيادة وإلى أين أقودهم .. أعتقد أن الأساس هو العمل الفني والذي بالبداية يقود الفنان ، والفنان يقوده أيضا إذن هي عملية سيطرة ما بين الفنان وعمله والعطاء من الطرفين.. أنا شخصيا ببعض المناطق مثلاً في أعمالي أتوقف ولا استطيع الاضافة لان العمل يحكم عليّ ان اتوقف أو أن اضيف او ان احطم وازيل. لذا اعتقد انني مسيرة ببعض الأوقات من قبل العمل الذي أمامي .. أما إلى أين أريد أن أتوصل مع المتلقي، فهي لنقطة الصدق دائماً والعمل الأصيل ، حيث أنني أقدم نفسي ورؤيتي لهذا الكون بكل صراعاته وجماله وما يهمني باستمرار الصدق الداخلي والذي اعتبره اثناء الرسم هو انفعال معين ينعكس بالتالي في أعمالي وعلى قطعة القماش، فأنا باعمالي أقدم نفسي بالنهاية لان كل جزء صغير منهم تشكل من أحاسيسي ورؤيتي وقناعاتي.. بالتاكيد طرحت العديد من المشاريع الفنية ودائما هنالك رسالة معينة بداخلي اطلقها للمشاهد واتمنى أن يفهمها أو على الأقل أن تلاقي التقدير لانها كلها وجهات نظر أو بالأحرى محاولات ممكن أن تعجب البعض والبعض الآخر، وهذا ايضا ما لا يهمني ولكن احترمه .. لا اعتقد ان في السياسة كما في الفن وخاصة سياسة ما نسمع به في هذه الايام فالفن انقى واصدق وهو بالنهاية يطلق اهداف نبيلة سواء مواضيع نقد للمجتمع  اوحتى قيمة جمالية لتمتع العين على الأقل، والتي هي بحاجة الان ان تستمتع بكل ما هو مهيأ نتيجة السياسة المحيطة التي شوهت العقول وحتى القلوب والمشاعر ..

* لوحاتك على الإجمال مليئة بالصخب و الحركة و الألوان – و لكن عنصر الزمن مغيب  و مفقود تماماً في لوحاتك . ما هى علاقتك بالزمن أهي علاقة قيد أم علاقة مفتوحة سابحة خلف اللامكان؟ 


لا أركز على عنصر الزمن في أعمالي بمعناه الحرفي، لكن  دائما أطرح مواضيعي ضمن فلسفة معينة تتعلق برحلتنا القصيرة للحياة وكيف بدأنا من نقطة الخلق وكبرت لتصبح دائرة الحياة، ومع حركتنا الدائرية في هذا الكون الذي أراه صغيرا جدا لا بد وأن أذكر دوما أننا سنرجع لنفس البداية، ونفس النقطة، التي بدأنا منها وهي رجوعنا الي التراب مرة اخرى. إذن أنا اشتغل ضمن فلسفة وقناعة معينة لدى تتعلق بكون كامل والتقط منه تفاصيل صغيرة أحيانا لتولد عندي معرض أو مشروع معين وعنصر الزمن موجود ببعض أعمالي  وخاصة باخر موضوع طرحته في بينالي القاهرة الدولي العاشر..

* أنت جريئة جداً في استخدام الألوان الصاخبة و المزج بينهما غير أن الأزرق يظل دائماً حاضراً .. ما علاقتك بهذا اللون تحديداً؟


 علاقتي بكل الألوان وليس الأزرق بالتحديد ربما تواجد ببعض أعمالي لكني لا أُذكر انه الأقوى فمعرضي القادم الآن بعد شهر في عمان لا يوجد به لون أزرق لكنه نعم تواجد بأعمال سابقة .. لست منحازة لكل لون وأرى أن الفن الآن أهم ما يتحكم به هو عمليه التلوين وحتى بمزاج الفنان نفسه فاللون هو الأساس بالعمل الفني الآن سواء كانت ألوان صاخبة أم هادئة لكن لا يمكن أن نفصل اللون عن عملية البناء والتكوين بالتأكيد فكلها عناصر مهمة ومترابطة وبالنهاية الفنان هو صانع لوحته وله قناعاته بالتأكيد.. ما أردت أن أقوله أنه حتى الألوان تراها بمرحلة معينة أو مشروع معين مختلفة عن فترة اخرى وهذا نتيجة قرار الفنان وطرحه أما أنا فأميل لكل الألوان لكن ليس بكل الاوقات فلو رسمت الأزرق بقوة في معرض معين ستجدني بمعرض آخر أركز على الأحمر مثلا .. حسب الموضوع.

*يقول الشاعر طلال حيدر " الأتى إلى الفن التشكيلي يبدأ غالباً بالطرق المفتوحة و المنهجيات المؤسسة الراسخة .. أما أنت فتفتحي لك طريقاً واضحة فطريقك يقع بين مساحة اللون و مسالك التشكيل إلى أين تذهبين بنفسك أو بنا؟


لا أذهب إلى أي مكان ولا أعرف ماذا ساقدم غدا  فانا يوميا ادخل مرسمي بحيرة وقلق وكأني سأرسم لأول مرة.. وأتمنى أن اعرف إلى أين أنا ذاهبة فلم أبدا بالرسم حتى أصبح فنانة ولا اعرف كيف بدأت والى أين وصلت.. فانا أقدم فقط محاولات وأتمنى أن تكون مؤثرة ولا أريد أكثر من ذلك وكما قال الأستاذ طلال حيدر قبل سنوات اعتقد أني ما زلت أبحث عن أي طريق فيه خروج أو إنعكاس للنمطية والتقليدية وأتمنى أن أصل للتفرد واعتقد أنني أقوم بخطوات صحيحة.

* في معظم لوحاتك المسافة مغلقة تماماً بقوة تفاصيل مذهلة ما بين لون وآخر بما يعنى أن لديك إحاطة بالمساحة و هذا ما يعطي للوحاتك قوة حضور مذهلة عبر تقنية التجريد المتحرك و الكورال اللوني .. فالتجريد لديك نهاية للتحليل أم بداية له؟


 من الصعب جداً ان أتحدث عن أعمالي بالتفصيل وكأني أتحدث عن نفسي لكني أقول بانني حين أبدا العمل لا اعرف ما هي نهايته واسترسل فيه كأني أعيش حياة كاملة بكل سنينها وقصصها وحين أنتهي من العمل وكأنني انتهيت من هذا الحلم أو الحياة التي لازمتني اثناء العمل فيه.


بكل بساطة لا استطيع أن أقدم العمل البسيط بمساحات أو فضاء واسع أو أعمال تتسم بالسكون والهدوء فلكل فنان صفاته أيضا ومشاعره وانفعالاته وأعمالي تشبهني بالتأكيد ولا ارتاح وأحس إنها اكتملت إلا بعد أن أراها من كل الاتجاهات وليس من اتجاه واحد فقط فهي تفاعلات عناصر عديدة على السطح الواحد والتفاعل سواء البشري أو الكوني لا حدود له بمنطقة واحد .. هو انفجار يصل لكل مكان وأحيانا أرى أن حجم اللوحة كان لابد ان يكون اكبر لاسترسل في العمل أكثر لان المساحة بالنهاية تقيدني أي ستنهي العمل معي بوقت معين وكما قلت لك سابقا أنا أعيش حياة كاملة مع العمل وأتحداه ويتحداني واشتمه أحيانا ويشتمني واتركه وارجع له بثوانٍ وربما بعد أيام .. ما يحصل بيني وبين أعمالي كيوميات يبدو محيراً أحيانا ومضحكا أحيانا اخرى وأعتقد ان الكلمات لا يمكن ان تنصف شعوري وأنا منغمسة في العمل.

* تسبح كائنات لوحاتك في دوائر دافئة أرضية و مجهرية و أحياناً مجّرية أنت تذهلينا أحياناً و تثيرين فينا الدهشة – هل الدهشة إحدى أهدافك التشكيلية؟


نعم الدهشة هي أهم أهدافي ولو أن عملي لم يدهشني أنا أولا أسارع في تحطيمه وتبييضه بكل سهولة والقضاء عليه .. يجب أن أدهش أنا أولاً لاحبه واقتنع فيه.. وإلا لماذا أقدم عملاً عادياً أو ميتاً بدون حياة ونبض.. الكثير من أعمالي إنتهت وبلحظة واحدة وقرار سريع دمرتها لأن الدهشة وخفقان القلب تحديدا لم أشعر به ولا يمكن أن ارضى بان اعرضها بأي مكان.

* أنت فنانة متفرغة في مرسمها الخاص بعد كل هذه التجربة كيف تقييمن التجربة الإبداعية في الأردن في مجال الفن التشكيلي؟


التجربة الإبداعية في الاردن اعتقد أنها مميزة  فلدينا فنانون لهم تجاربهم الخاصة أيضا وإبداعاتهم المختلفة لكنهم غير معروفين سواء على نطاق الدول العربية أو الخارج .. لكن هذا لا يعني أن ليس لدينا فنانون مهتمون .. وما يثير انتباهي صدقا أن التجربة  الأردنية متنوعة ولا تتبع اتجاهاً تشكيلياً أردنيا مثلا فنجد في معرض فن تشكيلي أردنياً أعمالاً الفنانين مختلفة عن بعضها البعض سواء بالإسلوب أو التقنيات وهذا ما يميزنا فعلا .