إسرائيل وحديث الخلافة
تاريخ النشر : 2023-03-01 16:20

د. أماني العرعير:

لم ينقطع الحديث منذ عشر سنين في الصحافة الإسرائيلية في موضوع خلافة أبو مازن، الا أنه أخذ منحى تصاعدياً غير مسبوق في العامين الأخيرين. وقد يقول قائل بأننا لا نستطيع أن نحكم على سياسات وتوجهات دولة من خلال ما يكتبه الصحافيون، ولأن الأمر منوط بمناخ الحريات والديمقراطية، وهنا لا نملك الا أن نوافق على ذلك، ولكن موضوع الخلافة والتسريع بها لم يعد منوطا بالصحافة فقط، بل تعدى ذلك الي صدور تقارير أمنية استراتيجية من معاهد بحثية كبرى تجاوزت موضوع الخلافة، وذهبت الي الحديث عن مصير الحركة الوطنية الفلسطينية وعلى رأسها منظمة التحرير.

ثلاثة معاهد تعني بالشؤون الأمنية والاستراتيجية المستقبلية!

الأول: ويحمل اسم مجموعة الأزمات الدولية ويرأسها الملياردير اليهودي جورج سوروس أو شفارتز حسب الاسم اليهودي قبل تغييره.

الثاني: وهو معهد إسرائيل لدراسات الأمن القومي ويتخذ من جامعة تل أبيب مقرا له، وقد تأسس عام1977 م وتعاقب على رئاسته مجموعة من الجنرالات.

أما اليوم فيتولى ادارته اللواء احتياط تامير هايمان وسبقه في الرئاسة الجنرال يدلين رئيس الأركان سابقا.

الثالث: معهد القدس للدراسات الاستراتيجية والأمنية وقد تأسس هذا المعهد عام 2017 م من عناصر عسكرية وسياسية هي الأكثر تطرفا في إسرائيل ويتولى رئاسة المعهد إفرايم عنبار ونائبه دافيد فاينبيرغ

وقد احتفل المتدينون والمحافظون بتأسيس المعهد واعتبروه رداً على وسطية وسلمية ومرونة معهد إسرائيل لدراسات الأمن القومي.

وبخصوص المعهد الأوروبي الأول_ أوروبي مقرا وصهيوني جوهرا _ فسوف نتجاوز الحديث عنه لأن صاحبه ورئيسه هو جورج سوروس الذي يقف خلف كل الحركات الملونة والانقلابية في العالم وصرف عليها 24 مليار دولار من ثروته التي كانت تقدر بــــ32  مليار دولار ويعمل سوروس على تسويق نفسه كراع للتحركات السلمية ولدمقرطة المجتمعات ، وهو نفس الحرص الذي أظهره تقرير مجموعته الدولية إزاء خطورة الوضع في أرضي السلطة الفلسطينية!!

أما بالنسبة لمعهد القدس للدراسات الاستراتيجية فليس لدينا ما نقوله في تقاريره السافرة والعنصرية دون غموض أو مكياج بشكل يذكرنا بأفكار أحزاب الترانسفير.

وماذا نقول في مدير المعهد ونائبه اللذان يدعوان الي الإسراع في بسط سيطرة إسرائيل على جبل الهيكل (الحرم الشريف) مهما كانت النتائج أو مهما كانت العواقب الدبلوماسية.

وماذا تقول في تقارير معهد يطالب الحكومة اليمينية بالعودة الي استخدام مصطلح (يهودا والسامرة) في وصف الضفة الغربية.

أما فيما يتعلق بالمعهد الثالث ، فتعالوا نتبين هل هو وسطي وسلمي ومرن كما يصفه المتطرفون أم أنه عكس ذلك تماماً، وهذا ما سنعرفه من هذه المقتطفات.

يطالب اللواء هايمان حكومته بالتفريق بين السلطة وقيادتها ويقول بأن (الأولى شرعية، وتمثل دولة على الطريق، ومكانتها غير خاضعة للنقاش عند الفلسطينيين ، على العكس من زعامة السلطة التي تعتبر غير شرعية، ويضيف : ( الأمر الأخطر هو التقاء ضعف التنسيق الأمني مع ظاهرة عنف شباب فتح والصراع على الوراثة في اليوم التالي).

ويوضح فكرته قائلاً: ( في كل ليلة تدخل الي مدينة فلسطينية كجزء من عمليات الاحتياط المطلوبة، والمحقة ، فانها تضعف مكانة القوى الفلسطينية).

ويخلص الي أن ( الطريق الي زعامة فلسطينية جديدة ذات زعامة شرعية أقوى يمر من خلال موجه من العنف القاسي ، والمرشحون للرئاسة يعرفون أن العنف ضد اليهود وصفه ناجحه لزيادة شعبيتهم).

والآن ... دعونا نفتش عن وسطية وسلمية هذا المعهد من خلال ما كتبه رئيسه.

أولاً: يذرف هايمان دموع التماسيح على كينونة السلطة وهذه بضاعة فاسدة ، قام خلالها بدس السم في العسل ، فمن أعطاه الحق في وصف السلطة بالشرعية ونعت قيادتها بعكس ذلك؟

ثانياً: ينسى سيادة اللوء أن أحد أسباب امتعاض بعض الفلسطينيين من أبو مازن هو سلميته المفرطة واعتداله ومرونته قولاً وفعلاً ! ومع ذلك فان حكومته تسعى الي تقويض شرعيته وسلطته .. وهذا يؤكد لا فرق عند إسرائيل بين كاره للسلام ومحب للسلام ومؤمن به .. بل انها فكرة المؤمن بالسلام لأنه يقوم بتعريتها أمام المجتمع الدولي .

ثالثاً: وتستغرب كيف وقع في التناقض الفج دون أن ترمش له عين ، وأعني اقراره بأن تدخلات جيشه في المدن تضعف السلطة وقواها الأمنية وبالمقابل يؤمن تلك التدخلات ويدعمها ويصفها بالضرورية والاحتياطية والمطلوبة دائماً والمحقة ، وهذه فضيحة لا يقع فيها مبتدئ سياسة.

رابعاً : وهناك فضيحة أخرى مدوية في آراء مدير المعهد والتي كشف خلالها أن القيادة الشرعية الجديدة لن توجد الا من خلال عمليات ضد اليهود.

وهنا نسأل كيف يستقيم أن تعتبر قيادة أبو مازن غير شرعية وهي قيادة لم ( تتلطخ أياديها بدم اليهود)!! ثم يكون عليكم ان تجلسوا مع قيادة ستكتب شرعيتها من دم اليهود؟ وهذه حلقة مفرغة تدل على بؤس عقلي.

وكما ترون فنحن أمام فريقين يتبادلان يتقاسمان الأدوار فهذا يضربك بقفاز ملاكمة وذاك بلا قفازات ، وهي نفس اللعبة التي اتقنها الإسرائيليون قديماً عبر تقديم أحزاب على أنها يسارية وأخرى على أنها يمينية .

وكما نصح اللواء هايمان وأبدى حرصه على كينونة السلطة فليسمح لنا أن نقدم النصح له ولحكومته .

ان مشكلتكم ليست مع السلطة ولا مع الشعب ولا مع منظمة التحرير ، مشكلتكم أنكم لم تقتنعوا أن الاحتلال هو المشكلة ، وان الجلاء هو الحل وكفاكم رهاناً على تخليق رئيس يكون بمرتبة جاسوس وعبد.

وفي الخاتمة ، وعونا نشير الي الأكثر خطورة مما سبق ففي السابق كان هناك بلطجية يقومون بأعمال متهورة وعنيفة ضد الفلسطينيين ، واليوم صار البلطجية وزراء أمن ، وأصبح للبلطجية معاهد بحوث تؤدلج للبلطجة وتقوم بتسويقها على أنها هي الحل.

بمعنى أننا وفي ظل هذا المناخ المتطرف جداً ، لا نستغرب أن يقوم إيتمار بن غفير بخطوات استفزازية وخطيرة ضد المسجد الأقصى عبر فرض صلاة اليهود فيه بالتناوب مع الفلسطينيين وهذا ما ينذر بكارثة لا تحمد عقباها ، لأننا سنكون على موعد مع ذلك التصعيد في شهر رمضان المبارك.

والأمر رهين بملياري مسلم في العالم، وبقدرة بعض الدول الإسلامية التي تستطيع أن تؤثر على أمريكا لتضغط من أجل كبح جماح هذا البلطجي كإجراء وقائي والذي لا يمكنه أن يفهم بأن دولته لا تستطيع أن تحسم عسكرياً مع شعب ولا تقدر أن تحسم سياسياً بمعنى فرض شروطها المذلة والمهينة .

وختاماً نقول للمتطرفين والأكثر تطرفاً في إسرائيل ممن صاروا يعملون على قوننة وشرعنة وأدلجة البطجة : زوال الاحتلال هو الحل ، وما عليكم سوى الالتزام بقرارات الشرعية الدولية. الا هل بلغت ..اللهم فاشهد.

الآراء المطروحة تعبرعن رأي كاتبها أوكاتبته وليس بالضرورة أنها تعبرعن الموقف الرسمي

لـ"ريال ميديا"