مأزق النقد في الفن التشكيلي !!
تاريخ النشر : 2022-05-17 01:23

عبد الهادي شلا:

في الوقت الذي تُقرع الأجراس في كثير من وسائل الإعلام من صحف ومجلات و كذلك في ندوات ثقافية حول حالة الفقر التي تعاني منها الحركة التشكيلية العربية من عدم توفر "ناقد متخصص" يوازي ويلحق بهذا الكم الهائل من الذين صُنفوا كفنانين لأنهم درسوا مراحل متوسطة أو ثانوية أو حتى في كليات الفنون التي من المفترض أنها تنتج فنانين أو تضع أقدام الخريجين على أول الطريق يشقه بتعبه ومعاناته ليلحق بركب الفنانين الكبار أو اصحاب التجربة الفنية،في هذا الوقت المتحرك بسرعة أكبر وبخطوات أوسع مما يعتقد البعض فإن عدد النقاد في عالم الفن التشكيلي بدون تجني لا يصل إلى عدد أصابع اليد ممن يتوفر فيهم القياس الصحيح والسليم الذي يجب أن يكون عليه الناقد وأسقطنا من حسابنا اؤلئك "المتطفلون" على عالم الفن التشكيلي الذين يؤدون عملا وظيفيا في الصحف أو المجلات تحت مظلة ناقد فني بينما هو في الأصل يغطي خبرا "اجتماعيا" لا فنيا معتقداً أنه يستطيع أن يكون له مكانة الناقد !!! من هو الناقد؟ جاء في تعريف و معنى " نقد " في معجم المعاني الجامع هو: ( فنُّ تمييز جيِّد الكلام من رديئه، وصحيحه من فاسده،ويتغايَرُ مفهومُ النقد بحيثيَّات الفن الذي يخاضُ فيه، فنقد الأدباء والشُّعَراء غير نقد الفُقَهاء وأهل الفـِرَق، ونقد الأصوليين غير نقد المحدِّثين؛ فلكلٍّ قواعدُه ومناهجُه، غير أنَّ المشترك بينها هو النظر في المقالة لبيان عُيوبها، وكشف نقائصها، ثم الحكم عليها بمعايير فنِّها، وتصنيفها مع غيرها،والمعايير والأحكام الصادرة تتفاوَتُ وتتغايَرُ بحسَب الفن الذي يمارسُ فيه النقد، وبحسَب النُّقَّاد وملكاتهم العلميَّة. ) في مقال له نشرفي جريدة الأهرام المصرية يُعرف الدكتور/ سعيد توفيق النقد بصورة أخرى: (ليست أزمة النقد (وأنا أتحدث هنا عن النقد الأدبي تحديدًا) تكمن في قلة المتابعات النقدية، وبالتالي قصورها عن مسايرة الإبداعات الأدبية، بل تكمن في سوء فهم مهمة النقد عند كثير ممن يمارسونه أو يتلقونه ويطالعونه. يتصور الكثيرون أن النقد مسألة انطباعية، وبذلك يصبح موقف الناقد من العمل مسألة مزاجية تتوقف على انطباعاته الذاتية وإحساسه الخاص بقيمة العمل ومدى أهميته، رغم أن النقد الانطباعي قد عفا عليه الزمن باعتباره مرحلة أولية متخلفة من الممارسة النقدية؛ لأن الحساسية وحدها لا تخلق الناقد. فما بالك إذا كان كثير ممن يمارسون النقد هم حتى دون هذه المرحلة المتخلفة من الممارسة النقدية: فبعض هؤلاء يتصورون أن النقد هو الانتقاد، ويبحثون في النص عن شيء يتيح لهم محاكمة الكاتب أو التفتيش في ضميره (وهذا النوع المنحط من النقد الذي لا اسم له في أي كتاب علمي هو ما يمكن أن نسميه تجاوزًا "نقد النميمة")...إنتهى ما يعنينا هنا هو تطابق هذا النموذج من التعريف بالنقد على ما يجب توفره في "الناقد" للأعمال الفنية التشكيلية بالذات لفقر الساحة لهذا النوع من النقاد كما أننا نضيف بأن هناك "بُخل" و شـُح في وضع مناهج وبرامج حول قيمة وتعريف الفنون التشكيلية أسوة بما يُضخ بكثافة عن الفنون الأخرى كالغناء و السينما أو المسرح وغيرها. لذلك كي يستقيم الأمر وتتفتح ملكات العامة على الطريق الصحيح للتذوق الفني التشكيلي نادى ومازال ينادي المجتهدون بضرورة افساح المجال ومساحة أكبر و رعاية على المستوى الرسمي لتكون الفنون التشكيلية في مكانها الصحيح ضمن نسيج المجتمع العربي وبضرورة التوعية وزرع النفوس بشتلات الجمال في البيت والمدرسة و الشارع وبعدم استخفاف وجهل المتلقي مما تقع عليه عينه فيجد في "السخرية" ما يُعوض النقص في قدرته على استيعاب ما يقدم له من أعمال فنية رفيعة. حين تصبح الفنون التشكيلية وهي متوفرة وبكثرة ومنذ زمن بعيد بصورمختلفة متداولة بتوازمع الفطرة الإنسانية،حين تُعرض بتوجيه بناء فإن هذا سيساعد الناقد على أن يقدم الجزء الذي يخفى على المتلقي ويوجه ذائقته نحو جوهرالعمل التشكيلي وفلسفته ورؤية الفنان وإلى كل ما يستطيع الناقد أن يضع يده عليه ويكتشفه بحكم خبراته وتحصيله المتنوع في علم الجمال والفلسفة والسياسة والاجتماع و غيرها من المعارف التي هي ضرورية لبناء شخصية نقدية قادرة على الاكتشاف والتعمق في العمل التشكيلي وهذا ما يجعله أكثر بساطة عند المتلقي. عندها سنخرج من مأزق النقد في الفن التشكيلي ليأخذ مكانته الرفيعة و تتسع مساحة التفاعل بين الفنانين والمتلقين ويكون هناك مناخ جيد للتوافق و الاتفاق على رؤية تنهض بقيم الجمال.