إشكالية الإعلام السياسي: وَذَا هَجِيرُ الإفلاسِ ذَا جَهِيرُ الاِهْتِلاسِ! (1)
تاريخ النشر : 2021-10-14 08:09

آصال أبسال *:

(1) 

بعد تدوير وتدوير بالمرار والتكرار، وعلى مدى السنوات عدًّا في العداد والجهار (وهذه عينُ الصحيفةِ المأجورةِ المُسَمَّاةِ اِسمًا لا مُسَمًّى بـ«القدس العربي» لا تكلُّ ولا تملُّ من نشر المدوَّر والمكرَّر ما دام هذا النشر يروق لأسيادها المموِّلين رَوْقًا من قطر وما أدراك ما قطر)، يستهلُّ الكاتبُ الإعلامي «الجزراوي» الرهيبُ، فيصل القاسم، تقريرَهُ الإنبائيَّ ما قبل الأخير بالسرد التوقيعي والترقيعي لتلك الحكاية الشعبية السبية التي يمكن تعريفها، ها هنا، تعريفا إجرائيا بحكاية «الفلاح والإقطاعي والعنزتين والديك والقرد»، يستهلُّهُ واثقا هكذا على هذا النحو الوثيق: «ذات يوم استأجر فلاح بسيط شقة ذات غرفة واحدة من إقطاعي، وعاش في تلك الغرفة الصغيرة مع زوجته وأولاده السبعة. وكانوا يعانون معاناة شديدة من صغر الغرفة. وبعد مدة جاءه الإقطاعي وقال له يا فلاح: عندي عنزتان وديك وقرد لا أجد لهم مكانا، وأريد منك أن تُسكنهم معك في الغرفة، فاضطر الفلاح إلى قبول الطلب مرغما، فزادت معاناة العائلة أضعافا مضاعفة من العنزتين والديك والقرد المزعج الذين حولوا الغرفة إلى كارثة. وبعد مدة عاد الإقطاعي وأخذ العنزتين والقرد والديك، ثم اتصل بالفلاح بعد أيام ليسأله عن حاله: فقال الفلاح: حالنا عال العال، ممتاز، فنحن في نعمة، والبيت كبير ومريح ولا ينقصنا من هذه الدنيا شيء».. وبكلِّ حميَّةٍ استكشافية «علميةٍ»، يستنتجُ الكاتبُ الإعلامي «الجزراوي» الرهيبُ، بلا تلكُّؤ ولا توانٍ، عينَ الاستنتاج التحليلي الأرهبِ، لا بلِ الأشدُّ رَهَبًا ورَهَبُوتًا حتى، بأن ما فعله ذاك الإقطاعيُّ المتأبِّهُ والماكرُ عَسْفًا واعْتِسَافًا مع ذلك الفلاح المستضعَفِ والمستجدي لا يختلفُ البتَّةَ عمَّا كان، وما زال، يفعله أزلامُ أنظمةِ الاستبدادِ والطغيانِ في عالمنا العربي الكئيب من قَمْعٍ وإقمَاعٍ مع كافة الشعوب التي تجرَّأت وثارت على هكذا أنظمةٍ في كلٍّ من سوريا وليبيا واليمن والعراق ومصر وتونس والجزائر والسودان، وهلم جرا.. كلُّ هذا الفعلِ التأبُّهيِّ والمَكْرِيِّ قد جاء، من قعرِ المبيتِ، مرتَّبا ترتيبا مقصودا ومرصودا من لدن هؤلاء الأزلامِ، أزلامِ أنظمةِ الاستبدادِ والطغيانِ ذواتهم، لا لشيءٍ، لا لشيءٍ ممَّا يجيئون بهِ من كلِّ أشكالِ القسرِ والقهرِ والتعصيبِ والتنكيلِ والتوصيبِ والتقتيلِ، إلا لكي تحنَّ هذه الشعوبُ الشقيَّةُ كلَّ الحنينِ إلى ما خلا من أيام ذينك الاستبداد والطغيان من جديدٍ – تحنَّ والبسماتُ، والبسماتُ البشوشاتُ البهيَّاتُ مرسوماتٌ على سائرِ الوجوهِ الصِّفَاحِ بارزةً، رغمَ كلِّ ذلك، من سَمْتٍ من سُمُوتِ الاِنقلابِ العتيدِ /يُنظر، مثلا، التقريرُ الإعلامي ذو العنوانِ الاستفهامي: «هل عادت الشعوب العربية إلى حظيرة الطاعة؟»، من إصدار «القدس العربي» يوم 17 أيلول (سبتمبر) 2021/.. 

وهكذا، ومن جرَّاءِ الإخضاعِ الدوريِّ للحكايةِ الشعبيةِ السبيةِ المعنيةِ إلى كلٍّ من سيرورتَيِ المدِّ والجزرِ السرديَّيْن في «عدد الشخصيات» تحديدا، حسبما يقتضيهِ المزاجُ الصحافي التوفيقيُّ و/أو التلفيقيُّ في آنِهِ المؤاتي (فتارةً تتجلَّى هذه الشخصياتُ تجلِّيًا رُبَاعيًّا بـ«فلاح وإقطاعي وعنزتين»، وطورا تتبدَّى تبدِّيًا خُمَاسيًّا بـ«فلاح وإقطاعي وعنزتين وديكٍ»، وطورا آخرَ تنجلي انجلاءً سُدَاسيًّا بـ«فلاح وإقطاعي وعنزتين وديك وقردٍ»، وهكذا دواليك)، لا يكتفي الكاتبُ الإعلامي «الجزراوي» الرهيبُ بهذا الاستغبانِ الممنهَجِ ولا بهذا الاستغباءِ المبرمَجٍ لعقولِ القرَّاءِ المغلوبين على أمرهم وعقولِ القارئاتِ المغلوباتِ على أمرهنَّ، بل يذهبُ أبعدَ فأبعدَ في تماديهِ النَّهُوكِ في التوكيد والتشديد على ميداءِ «مصداقية» هذين التدوير والتكرير المشذَّبَيْن والمهذَّبَيْن لكيما يؤكِّدَ، لا بلْ يشدِّدَ، أكثر فأكثر في هجير المحتوى والمعنى إفلاسَه التأثيليَّ إخباريًّا وفي جهير المجتوى والمبنى اهتلاسَه التمثيليَّ إنشائيًّا كذاك: وَذَا هَجِيرُ الإفلاسِ بعينِهِ، وذَا جَهِيرُ الاِهْتِلاسِ (أو الهُلاسِ) بعينِ عينِهِ – إفلاسٍ تضمينيٍّ في مدلولاتِ ما قد حصل من قبلُ، وما يحصل الآن، في هذا العالم العربي الموجوع والمخدوع، من طرفٍ أول، واهتلاسٍ (أو هُلاسٍ) تصريحيٍّ في دوالِّ ما قد ينجح، أو ما قد يفشل، من تطبيق معنيِّ الحكاية الشعبية السبية تيك على أرض الواقع في ترويض الشعوب التي انتفضت بغيةَ العَوْدِ بها إلى زريبِ الخضوع والخنوع، من طرفٍ آخَرَ.. فماذا، إذن، يمكن للمتلقِّي أو للمتلقِّية المسكينَيْن أن يتوقَّعَا من كاتب إعلامي «جزراوي» رهيبٍ بالصدفةِ والاِتفاقِ وليس في حوزته المعرفية و/أو العرفانية منهجٌ تفسيريٌّ علميٌّ لكي يفسر به حركة التاريخ السياسي والاجتماعي في عالمنا العربي الكئيب تفسيرا علميًّا سوى حكاية «الفلاح والإقطاعي والعنزتين والديك والقرد» بالذات؟؟.. ماذا يمكن لهذين المسكينَيْن، بكلامٍ آخَرَ، أن يتوقَّعَا من هكذا كاتبٍ إعلامي «جزراوي» رهيبٍ لا يستطيع أن يفهمَ تسيارَ هكذا حركةٍ تاريخيةٍ (سياسيةٍ واجتماعيةٍ) فهمًا كليًّا إلا من خلال هكذا سردٍ تدويريٍّ وتدويريٍّ بالمرارِ والتكرارِ لهكذا حكايةٍ شعبيةٍ سبيةٍ، حكايةِ «الفلاح والإقطاعي والعنزتين والديك والقرد» بذات الذات؟؟.. وفوق ذلك كله، والأنكى من ذلك، ليس لهذا الكاتبِ الإعلاميِّ «الجزراوي» الرهيبِ سوى أن ينزلَ ساردا وجاردا ما يطفو على سطح الإنباءِ المُسَيَّرِ (عن طريق أجهزةِ الخفاءِ المُحَيَّرِ) من أنباءٍ لم تعُدْ خافيةً حتى على المبتدئين في قضايا الثوران والانتفاض والهبوب بالأشتاتِ والشتاتِ من لدن الشعوب الرَّغُوبِ في الحُرِّيَّاتِ والحياةِ حينما يشتدُّ الحدُّ من توحُّشِ أنظمةِ الاستبداد والطغيان اشتدادا لم يسبقْ لهُ مثيل، وبأسلوبٍ سطحيٍّ ومُسَطَّحٍ لا يتعدَّى بالمستوى التعبيري والمعجمي حتى أسلوبَ العاديِّين من طلاب المرحلة الثانوية (أو حتى العاديِّين من طلاب المرحلة الإعدادية، في أكثر الأحايين)، في أدنى تمثيل!!.. 

وهكذا، أيضا، ينزل الكاتبُ الإعلاميُّ «الجزراوي» الرهيبُ ساردا وجاردا ما يطفو على سطح الإنباءِ المُسَيَّرِ ذاك من أنباءٍ تخصُّ المَشَاهِدَ الكارثية، إذْ تأزَّمت أيَّمَا تأزُّمٍ في هذا الزمانِ المكفهرِّ بسببٍ من اشتداد ذلك الحدِّ من توحُّشِ أنظمةِ الاستبداد والطغيان بالعين (ومن ثمَّ، بسببٍ كذاك مُلازمٍ من اكتلابِ قوى الثوران المضادِّ على كلٍّ من الأصعدةِ المحلية والإقليمية والعالمية بعين العين)، تخصُّها في كلٍّ من سوريا التي ضحَّت حتى هذا الحينِ على وجهِ التقريبِ بالعُشْرِ من سكانها ما بين مقتولٍ ومخفيٍّ (قسرا أو لاقسرا) في الداخل وبالنصفِ منهم كذلك ما بين مشرَّدٍ ولاجئٍ (كرها أو لاكرها) في الخارج، والعراقِ الذي صار في الأخير مع تتابع ذينك الخرابِ والدمارِ ومع اطِّرادِ ذينك التدهورِ والانهيارِ من بين «أوسخ» و«أقذر» البلدان في العالم بأسره، ولبنانَ الذي وقفَ الأنامُ منهُ على شفا هاويةٍ إذَّاك بين الهلاك والموت جوعا وغمًّا على أرض «الوطن» وبين الفرار والهروب التماسا لحياةٍ وعيشٍ أقلَّ جوعا وأقلَّ غمًّا على أرضِ «لاوطنٍ» أخرى، ومصرَ التي انقلبَ النظامُ العسكري فيها على نظامٍ مدنيٍّ سابقٍ انقلابا ديكتاتوريًّا وأوتوقراطيًّا بامتيازٍ جدِّ شديدٍ بحيث بات الأناسُ يحنُّون كلَّ الحنين إلى سالفٍ كان يتَّسم بشيءٍ (ولو نسبيٍّ) من الاعتدال والتحرُّر الاجتماعيَّيْن، والسودانِ الذي تمَّ فيه أخيرا إحلالُ نظامٍ عسكريٍّ بسربالٍ جديدٍ (مُسَانَدٍ محليًّا أو إقليميًّا) محلَّ نظامٍ عسكريٍّ بسربالٍ قديمٍ بُعيد السَّعْيِ الحثيثِ إلى وَأْدِ الثوران الشعبي وهو في طور «المخاضِ» والحالُ الاقتصادية نازلةٌ نحوَ الحضيضِ سِرَاعًا بالدركاتِ واحدةً بعد الأخرى، والجزائرِ التي تمَّ فيها أخيرا كذلك استبدالُ نظامٍ بيروقراطيٍّ بفستانٍ حديثٍ (مبارَكٍ دوليًّا أو عالميًّا) مكانَ نظامٍ بيروقراطيٍّ بفستانٍ عتيقٍ بغيةَ الاِلتفافِ والدورانِ الخبيثَيْن حولَ ما تبقَّى من قانون مدنيٍّ «يصونُ» الحقَّ على الأقلِّ في التظاهر الشعبيِّ المستمرِّ أكثرَ من غيرهِ غيرَ أن الحالَ لم يتغيَّرْ حالا أمامَ ازديادِ أقطابِ البيروقراطِ الحديثِ حولا وكيدا وما إلى ذلك، واليمنِ «السعيدِ» الذي لم يكنْ إلا حزينا ومحزونا وحزنانَ بكلِّ ما تحتويه المفرداتُ من المعاني ومن ظلالِ المعاني وحتى قبل أن يشرعَ في الاِنتفاض الشعبيِّ في وجهِ النظام «الصالحي» الهمجيِّ السفَّاحيِّ وما تلاهُ من أنظمةٍ ومن أشباهِ أنظمةٍ أكثرَ همجيةً وأشدَّ سفَّاحيةً قادمةٍ من كلِّ الأطرافِ القريبةِ والغريبةِ – كلُّ هكذا سردٍ وكلُّ هكذا جردٍ (بعد تقويمِهِمَا اللسانيِّ والنفسانيِّ، ها هنا، بطبيعةِ الحالِ)، وحالُ الكاتبِ الإعلاميِّ «الجزراوي» الرهيبِ مستمرَّةٌ كلَّ الاستمرارِ في التباكي الإنبائي والإخباري الجَمُوحِ الذي إنْ دلَّ على شيءٍ، في حميَّةِ هذه الحالِ بالذات، فإنه لا يدلُّ إلا على دليلٍ واحدٍ أو أكثرَ من دلائلِ ما يُسمَّى في علم النفس بـ«الارتقاب التكبيحي» Inhibitory Anticipation، كدليل الحطِّ من قَدْرِ تيك الثوراتِ الشعبيةِ حطًّا واعيًا أو لاواعيًا، ودليل تثبيطِ العزائمِ (كليًّا أو جزئيًّا) في النفوسِ الأبيَّةِ تثبيطًا مَنْوِيًّا أو لامَنْوِيًّا، وما إلى ذلك من معنيِّ أو من معنيَّاتِ هكذا دلائلَ «تكبيحيَّةٍ» فعلية!!.. 

[ولهذا الكلام، فيما بعدُ، بقية] 

*** 

*كوبنهاغن (الدنمارك)، 

*ولدتُ في مدينة باجة بتونس من أب تونسي وأم دنماركية.. وحصلتُ على الليسانس والماجستير في علوم وآداب اللغة الفرنسية من جامعة قرطاج بتونس.. وحصلتُ بعدها على الدكتوراه في الدراسات الإعلامية من جامعة كوبنهاغن بالدنمارك.. وتتمحور أطروحة الدكتوراه التي قدمتُها حول موضوع «بلاغيات التعمية والتضليل في الصحافة الغربية» بشكل عام.. ومنذ ذلك الحين وأنا مهتمة أيضا بموضوع «بلاغيات التعمية والتضليل في الصحافة العربية» بشكل خاص..

...

الآراء المطروحة تعبر عن رأي كاتبها وليس بالضرورة أنها تعبر عن الموقف الرسمي لـ "ريال ميديا"