" شيزوفرينيا"
تاريخ النشر : 2021-09-26 23:17

محمد نصار :

ظل في خطوه كضارب في التيه، ينظر إلى الأشياء من حوله دون أن يراها أو يشعر بها، حتى تلك الوجوه التي مرت به وألقت بنظراتها.. همساتها وأحيانا ضحكاتها، لم تشغله في شيء أو تلفت انتباهه إليه، كان كمن يفتش عن شيء بعينه، شيء يقتاده إلى حيث لا يدري أو يريد، دون أن يعنيه المحيط بكل ما فيه من صخب وحراك، فلا الشارع بضجيجه ولا المحال بروادها ولا المقاهي بعبق سجائرها وشدو الأغاني فيها، استطاعت أن تحرف انتباهه إلى شيء من ذلك أو تستوقفه، ظل هائما في عالمه، يتابع خطاه نحو هدف لا يدركه، أو يسعى إليه.

شيء يدفعه في ذلك الاتجاه، دون أدنى التفاتة خلفه أو حواليه، مجرد السير فقط وكأنه غاية في ذاتها، غاية لا يشوبها شيء أو يكدر صفوها، حتى الأسئلة ما عادت تناوشه كما كانت من قبل.. لا الصور ولا الذكريات ولا الهموم التي طالما أرقته، عادت تشغله في شيء، فقط هذا الحيز المنبثق من أعماقه والمتربع على المخيلة، صار عالمه ودنياه .. عالمه المنسوج من خيال مختلف، أو من واقع أملاه على نحو مغاير، فاستراح له ولم يسع للحظة إلى الخروج منه أو المحاولة ولعله نسي حتى فكرة السعي أو المحاولة، ربما أعجبته حالة البعد والانسلاخ وربما هذه لم تكن في وارده أيضا، لكن المؤكد الذي رواه الكثيرون من معارفه، أنه كلما صادفه أحد منهم أنكره وأنكر أنه الشخص المقصود بالسؤال.