من سأنتخب ... وماذا نريد؟؟
تاريخ النشر : 2021-04-14 23:28

إحسان محمد أبو شرخ *:

لعل الانتخابات مدخل أخلاقي صرف لنقاش واقع الشعب الفلسطيني وأداء القوى السياسية، من العلمانية إلى اليمين إلى اليسار، التي من المفترض ان لا تلتقى إلا على المصالح العليا للشعب الفلسطيني، وهى كذلك فرصة جدية لتقويم الفكر السائد (مواطن سلبي غارق في همومه)، حيث ترفع مستوى رؤية المواطن العادي ومساهمته (الدنكوشوتية) نحو المشاركة في انقاذ الحياة الفلسطينية بكل مكوناتها وارتباطاتها المعقدة، خاصة مع الجانب الإسرائيلي، وعليه يكون أي برنامج انتخابي او وطني بالعموم ملزم بالمرور عبر أسئلة وجودية متعددة حول الواقع الفلسطيني أولها: هل مشروع "إسرائيل" له حدود؟ هل الفلسطينيون في حال تنظروا فكريا تحت قبعة (انطوان لحد) واستكانوا عن مشاعرهم الوطنية وقبلوا بمبدأ السلام مقابل الحق في الحياة، هل سيتخلى المشروع الصهيوني عن عنجهيته المادية الرأس مالية التوسعية ويكتفى؟

هل التنمية والوصول إلى الحد الأدنى من السيادة "المدنية" مسموح بها للفلسطينيين؟ هل سيكون لهم الحق ببناء اقتصاد يغنيهم عن حالة التسول الإيديولوجي الممنهجة التي لجأوا إليها قصراً لغرض البقاء بمفهومه العميق-العميق؟ بكل واقعية الإجابة لا، هذه الإجابة حاضرة منذ أن أسس لها المؤرخ والمستشرق اليهودي "برنارد لويس" الذي رسم بعناية مخطط تقسيم العرب وارضهم، وأظن أن المفاهيم أصبحت وقحة وواضحة أكثر من التطبيع الباهت الذي يحتضن الأفعى في صدر الحكاية العربية.

من زاوية أخرى وإذا أردنا إعادة تقييم العلاقة مع الدولة اليهودية تاريخياً ووضع إطار للتعامل معها، علينا الإقرار بان كل قياس أو إسقاط لتجربتنا على تجارب الشعوب الثورية هو قياس "فاسد" ويسقط أمام الحالة الاستثنائية لها، بفعل تجليات الاقتصاد الذي أسس له الساميون ولحالة الفزع العالمي من تعاظم الرغبة في بناء وطن لشعب الله الذي خنق اقتصاد العالم، فكانت من أولى أفكار نابليون بونابرت وهو المهيمن على الشؤون الأوروبية والدولية خِلال فترة حُكمه (إنشاء دولة يهودية) وهي ثاني أولوياته بعد أفكاره التوسعية، وما عكسه ذلك على طبيعة مشروع الاحتلال الإسرائيلي المتمدد بالحرارة والبرودة، وعلى خصوصية الصراع وعمقه الحضاري.

وبعد أين القضية الفلسطينية من هذا الجدل في ظل أن خصمها العالم السياسي بكامله، دون انكار للحالات الشعبية الفردية، وهنا يقول لنا التاريخ بوضح ان تجارب الشعوب التي انتصرت او انهزمت تُركت للبناء وتُركت لها مقومات التنمية والحياة الكريمة بسلام مثل فيتنام واليابان، ولم تحاصر من كل الكرة الأرضية كما هو حالنا كفلسطينيين!

كما أن تجارب الشعوب في مقاومة الاحتلال أسُست على مبدأ رفع التكلفة، حتى "الثورة الناعمة" ضد الاحتلال البريطاني في الهند التي قادها المحامي المهاتما غاندي "داعية اللاعنف الكامل" قامت على مبدأ اقل الخسائر لشعبه مقابل اعلى ثمن للاحتلال، فكان لهذه الثورة ما تريد بجلاء الاحتلال البريطاني عن الهند، ولكن لا شبيه للفلسطيني في حالته الاستنزافية فمن يدفع ثمن تكلفة الاحتلال هو اقتصاد العالم (عربياً كان أو أجنبيا بكافة تحولاته) كما وأن القيمي واللاأخلاقي من وجهة نظر الفلسطيني هو مبرر من الجميع ليحافظ الاحتلال على أمنه تحت مبدأ طاعة من يطيعه الأقوياء، وليواجه احتلال بلا أي اخلاق خلافا لما اشترطه غاندي لنجاح فلسفة العصيان، كما أنه يعيش دور يوسف ورغبة اخوته في الاستفادة من غيابة ويوميات الدم والذئب.

لذا فان اختيار واستعمال أي من وسائل التحرر يجب ان تخضع لخصوصية الصراع وحقيقته ولمبدأ الحاجة وماهية النتيجة ضمن ميزان الربح والخسارة، ومن الديماغوجية أن نرتهن الى مدارس البناء والتنمية وفلسفات الحكم ونحن نقع تحت احتلال أصبح يستكثر علينا "مشروع روابط القرى" ويطمح لتهجيرنا ولمشروع الوطن البديل، فهذا قفز من فضاء!

فالشعب الفلسطيني لا يدمن العنف ولا يحتسي الدم خمرا كما يصوره البعض، ولا يجهل ابجديات السياسة والاقتصاد والنمو، والاسهاب في تضخيم وتجميل مشاريع التنمية والازدهار تعزيزا لحالة التشتت والإحباط، وملهاه لشعبنا، لان الاحتلال سيفشلها اجلا ام عاجلا، ولنا في تجربة سلام فياض ومن تبعه دليل، بالمقابل فان الشطط وعنجهية العنف غير المسيس لم يقدم أي نجاح او مكتسبات للشعب الفلسطيني.

تلك الخلاصة انفة الذكر تدعونا الى التفكير خارج الصندوق والاستعانة بعنفوان وطاقات الشباب دون اهمال لخبرة الأجيال السابقة، حتى نصل لرؤية جديدة واستثنائية كما هي معطيات قضيتنا ولتشمل كل متطلبات مسألتنا الوطنية والاقتصادية والاجتماعية، وتفتح المجال لشراكة الأجيال وطاقات النهوض والجمع بين أدوات البقاء والاستفادة منها، لنصنع "تنمية صمود" ودبلوماسية الشعوب المقهورة" و"مقاومة منتجة" تمنع عن الاحتلال الاستقرار وتحافظ على الاشتباك معه يوميا اينما وجد.

وهذا يعني اننا ملزمين بترميم الإطار السياسي الأعلى للشعب الفلسطيني (رئاسة المنظمة والمجلس الوطني الفلسطيني)، مع الاحتفاظ بحرية المسلك القانوني والاقتصادي والاجتماعي والأمني على الأرض، وفقا لخصوصية كل تجمع وجغرافيا فلسطينية (فصل مرن وبمفهوم كونفدرالي تحرري)، والقيام بنهضة فلسطينية على صعيد الانسان الفلسطيني والموارد المالية والتأثير الفلسطيني، ضمن خطوط عريضة اهما:

فلسفة تحررية (متحررة ومتحركة) تجاري تطور الفكر الإنساني وشكل العلاقات الدولية وأدوات التناقص والصراع فيما بينها وتستفيد منها، والتخلي عن سياسة (أسود/ابيض) القوة العسكرية او الاستكانة، والاستعانة بدرجات وتصنيفات أخرى منها مبدأ القوة الناعمة وكذلك مبدأ القوة الذكية أو القدرة على الإرغام بحنكة سياسية ومن خلال أدوات متعددة تسمح بها العولمة والتكنلوجيا، وكذلك من خلال وسائل الدبلوماسية الخشنة والملاحقة الاقتصادية والعمليات الالكترونية والاستخباراتية، والتضييق على محاور التعاطف مع العدو، والحملات الدعائية المنظمة ضده، وضرب الشبكات المالية وأنظمة المعلومات، وتعظيم نقاط الضعف لدى الاحتلال، دون ارتباط بجغرافيا او مجال محدد، لإرغام الاحتلال وحلفائه على القبول بحقوقنا والاقرار بها.

إعادة تشكيل المجلس الوطني الفلسطيني بما يراعي التمثيل لكافة قطاعات شعبنا وأماكن تواجده، باعتبار ذلك مدخلا ضروريا لترتيب أوضاع التجمعات الفلسطينية في دول الطوق، وإعادة الثقة والارتباط ما بين اللاجئين وقضيتهم المركزية، وبناء تصنيف هرمي جغرافي للمواجهة وتوزيع الاحمال والمهام الوطنية، لضمان تدفق الطاقات الفلسطينية الجامعة والمنتجة، فهؤلاء وقود البقاء وحراسه.

استكمال الشخصية القانونية للكيانية الفلسطينية في كل المحافل الدولية، وإعادة بناء منظومة التضامن مع المأساة الفلسطينية عند شعوب العالم، وتنظيم التجمعات الفلسطينية في اوروبا واستثمارها كجماعات ضغط لصالح القضية الفلسطينية، عبر مظلة منظمة التحرير التي تحتاج الى إعادة بناء واحياء مؤسساتها، وتسوية العلاقة القانونية ما بين المنظمة والسلطة وتقسيم العمل بين مؤسساتهما، بالإضافة الى تطوير القوانين التي تنظم عمل مؤسسات المنظمة بما يتوافق والتطورات السياسية والاجتماعية التي يعيشها الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، كما نحتاج الى إعادة النظر في قوانين الانقسام والقرارات بقانون التي اغرقتنا في وحل الفردية وبددت نهج المأسسة.

التحلل من اتفاقية باريس الاقتصادية وتوابعها، وإعادة التفكير في آليات استثمار الغاز والصناديق القومية، نريد ضبط المجتمع المدني وتقويته ضمن سياسة وطنية وفرض هذه السياسة على المانحين وأموالهم، وإخضاع كل المنظمات الإقليمية والدولية العاملة في الأراضي الفلسطينية الى القانون الفلسطيني وعلى رأسها وكالة الغوث الدولية.

إقامة كيانات فلسطينية اقتصادية بحتة على الأراضي العربية المجاورة، لتحتمي بها وتضمن لها كل سبل النجاح وفق ترتيب قانوني خاص، على نمط الفاتيكان واتفاقيات التشغيل والانتفاع بالممرات البحرية والبرية بين الدول، دون عمق سياسي لنحفظ للدولة المستضيفة السيادة ويعود عليها بفوائد اقتصادية، وتفتح لنا قنوات استثمار للعقول والاموال الفلسطينية وتعزيز الموارد المالية وتفتح لنا مجال المنافسة، فنحن في أمس الحاجة الى أسواق عمل آمنة ومناطق اقتصادية تمتلك حرية النقل وأدواته.

نريد سيادة لقيم العلم وثقافة الإنتاج والتنافس ومحاربة ثقافة الراتب وقيم الاتكالية والكابونة، وخطة شاملة خالية من العقول المنهكة والرديئة وكذلك المرتهنة بولائها للخارج، نحتاج الى برنامج يشعل الابداع لدى الشباب الفلسطيني ويوفر له مقومات التعليم والتعلم للانخراط في سوق العمل، ودفعه نحو الاستثمار والتميز في عالم التكنلوجيا متسارع التقدم.

إن نهج بناء الانسان الفلسطيني الحر المتبصر هو الخيار الأمثل وقد يكون الأوحد لاستعادة حضوره وقضيته في هذا الزحام البشري الموحش، وضمانة حقيقية لتعطيل تمدد مشروع الاحتلال الإسرائيلي، وبغير ذلك فان أي برنامج او مشروع انتخابي او سياسي يتجاهل تلك العناصر والمحددات، ولا يستهدف تحقيق احتياجات الشعب الفلسطيني العاجلة والضرورية هو درب هلامي مصيره الفشل، وسيحدث مزيد من الصدمات السلبية ويراكم عقبات أكثر في وجه الأجيال القادمة.

* محامي فلسطيني:

 

الآراء المطروحة تعبر عن رأي كاتبها وليس بالضرورة أنها تعبر عن الموقف الرسمي لـ "ريال ميديا"