الحاوي
تاريخ النشر : 2021-01-08 00:53

محمد فيض خالد*:

بابتسامةٍ واثقة، وعيون تلمع مع ضوءِ النّهار الوليد ، يسير مُمسكا بزمامِ حماره، بهيئتهِ الأنيقة المعروفة، وجلبابه النّظيف المسدول بوجاهةٍ فوقَ جسمه النحيل ، يُحدِّق بوجههِ الشّاحب ، يمسك بعصاه الخيزران يُضرب في اهتياجٍ ، واجهات البيوت المنخفضة ، ويحكّ في حميةٍ الجدران الطينية التي اجهدتها الرّطوبةِ ، وعزائمه وتوسلاته بالأولياءِ لا تنقطع ، و نبرات التوبيخ التي يُرسلها ، على فتراتٍ لكُلِّ ثعبانٍ لا يَرضخ لطلبهِ .

ومن حولهِ بدت وجوه الناس يكتنفها الفضول ، ويملأها الخوف والترقب ، وعيون الصبية قد غامت في سحابةِ كدرٍ، يرتسم الرُّعب في ملامحهم، وصيحاتهم تملأ الفضاء من حولهِ.

وعلى حينِ غرةٍ؛ يتصايح بصوتٍ يتهدّج غضبا ، لا يتوقف عن غمغمتهِ ، وقد أوجعَ ألواح الأبوابِ بيمناه ، وأصوات طرقاته تأخذ بمسامعِ القوم ، يتقافز كالبهلوانِ يحذِّر من حولهِ بلكنةٍ صعيدية فاحشة ، يعمّ المكان في فوضى هو بطلها ، لساعاتٍ تجري مساومات بينه وبين ربّ البيت؛ نظير إخراج الثعبان العتيد، في النهايةِ يتم الاتفاق وسط ريبةِ أهل الدّار، الذين أتلف الخوف أعصابهم ، لتتقدم سيدة مكتهلة ، تملأ حِجرها بكيزانِ الذّرة اليابسة ، تفرغها في جوالهِ ، يعاود الضّرب بعصاه ، يسبح المكان ثاني في صيحاتهِ ، وقد اكفهرّ وجهه واظلمت عيناه، ينحرف سريعا في ركنٍ مُظلمٍ من البيتِ، يعود سريعا يحمل ثعبانه وسط ذهول المتفرجين ، يطويه حول ساعده في استعراضٍ ممجوج ، يُطبّقه ثم يدسّه في جانبِ" الخُرج" يمتطي حماره، ويمضي في طريقهِ مُسرِعا ، تُشيعه عيون النّاس بإعجابٍ مُريب ، ومن خلفهِ يتطاير غبار حمار، وتصفيق الصِّغار الذين لحقوا بهِ.

*مصر: