وحيد حامد، علامة فنية ونبراس مدافع عن السينما المصرية
تاريخ النشر : 2021-01-05 00:03

مالك خوري:

الحزن كبير على رحيل وحيد حامد، وهو واحد من أهم وأنجح كتاب السينما والتلفزيون في تاريخ مصر والعالم العربي. والحزن تضاعف في ظل هذا الرحيل الذي أتى بعد أسابيع فقط من تكريمه في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي والذي انطبع بصورته وهو يلقي تلك الكلمة المؤثرة التي شارك فيها الحضور في تلك الليلة. هذه الصورة الفرحة والموجعة ستبقى دوما في قلوب كل عاشق للسينما وللحياة على هذه الأرض العريقة في عطائها الفني والفكري والأدبي.

في هذا اليوم نحزن على فراق وحيد حامد، ولكننا نحتفي أيضا بذكرى حياته التي أغنت عالمنا وسينمانا بعمق حبها وتفاعلها مع هموم وأفراح شعبها: هي ذكرى أكثر من 40 فيلم و30 مسلسل تلفزيوني واذاعي عدا الأعمال المسرحية والكتب التي أضحت في غالبيتها، وعلى مدار أكثر من خمس عقود، من جواهر كتابات السينما والتلفزيون والفنون المصرية والعربية. ويكفي ذكر أعمال مثل "غريب في بيتي"، "الغول"، "معالي الوزير"، "الارهاب والكباب"، "الراقصة والسياسي"، "المنسي"، "اللعب مع الكبار"، "الهلفوت"، "دم الغزال"، و"أحلام الفتى الطائر" لنعرف مدى سعة وغزارة وأهمية المرجعية الابداعية لأعمال هذا السيناريست المتميز في تاريخنا الفني.

هي مسيرة سيناريست طليعي وضع نفسه دائما في صلب المساهمة والاضافة الجدية في رفع مستوى التذوق الفني والوعي الفكري والسياسي والاجتماعي لشعبه، حتى من خلال بعض الأعمال التي بدا فيها سباقا في توقيته بخطوات طويلة عن مستوى تبلورهذا الوعي الجمعي وعمقه. ففيلم "سوق المتعة"، على سبيل المثال، والذي أخرجه سمير سيف، يبقى أحد الأمثلة الأكثر تعقيدا في السينما المصرية المعاصرة والآكثر تعبيرا عن لحظة ما زال انساننا العربي يعيشها اليوم بكل أوجاعها الوجودية. هذه اللحظة التي لا نبدو حتى اليوم قادرين، أو على استعداد على فك شغفنا بها و الابتعاد عن التمسك بمفاصلها والدفاع عن جبروت استعبادها لنا.

لكن وحيد حامد هو أيضا الكاتب الذي لا يراوغ في قول ما يراه حقا، خصوصا دفاعا عن السينما بمعناها الأوسع والأشمل. فهو واحد من الذين عملوا بلا هوادة أو مساومة على وقف تجريف روح وحب السينما وثقافتها في بلادنا. وهو من رفع دائما لواء الدفاع عن السينما المصرية ودعا الى وقف بيعها وتسليمها للجهلة والسماسرة والانتهازيين، وحارب من أجل أن تبقى معبرا حميما عن أحلام وهواجس وحتى كوابيس "الناس التي تشبهنا".

وحامد كان يرى بوضوح مكامن الخطر التي ما زال يزحف على السينما المصرية، والآتي فكرا ومالا ونفوذا من ناحية الخليج:لنأخذ مثلا مفهوم "السينما النظيفة"، حيث كان حامد يردد دائما: "انه أصلا مصطلح لا أساس له ولا معنى، وهو دخيل على الصناعة في السنوات الأخيرة ولم نسمع عنه قديما" ... لكنه لم يأت الى مصر من الهواء فهو بالأساس أتى من الخليج، وتأسست قواعد استمراره وهيمنته على الصناعة عبر "انشاء شركات سينمائية محلية بمصر كان الهدف منها ضرب صناعة السينما في مصر". مجلة (سيدتي 11/7/2020). في مناسبة أخرى كان وحيد حامد أشد وضوحا في تقييمه لمصادر الخلل و"التجريف الحاصل للعقل المصري" وارتباط ذلك مباشرة بدور السعودية. صحيفة ( المصري اليوم 6/2/2017)

لهذا كان وحيد حامد بالمقابل يرى أولوية وأهمية لدعم دور الدولة في رفد العطاء السينمائي، حيث كان يرى بمنظور التاريخ غنى المرحلة التي اقترنت بصعود هذا الدور. فقال في هذا السياق: "عندما تدخلت الدولة ممثلة في وزارة الثقافة في السينما، خرجت أفلام عظيمة مثل "الزوجة الثانية" و"القاهرة 30"، وكانت تساهم في رفع الذوق العام للمصريين." وفي هذا الاطار كان حامد يربط تشديده على دور الدولة في سياق تمييزه لحالة العقم الذي تعاني منه البرجوازية المحلية، وعدم قدرتها على تبوء الدور المطلوب منها في هذا المجال.

وفي توصيف يعبر بدقة عن رؤيته لطبيعة أزمة السينما في السنوات الأخيرة ودور الدولة في رسم آفاق بعض الحلول لهذه الأزمة، يقول حامد:

"... نرى الآن أن الرأسماليين أفسدوا السينما المصرية، تدخل الدولة في السينما يمتعنا، وبعدها يزيدنا فقرا" ... "مفيش منتج عايز يخسر فلوسه، ممكن يعمل فيلم هابط ويجيب أرباح بالرقص والغناء، لكن رغم ذلك هناك قلة تغامر وتنتج أفلاما محترمة تحافظ على بقاء السينما حتى الآن." ..."السينما تخضع لرأس المال، والمنتج يخشى الدخول في عمل بسبب الخسارة، لأن الجمهور له ذوق معين ولا يقبل على الأفلام الحقيقية. وهنا يأتي دور الدولة." (في ندوة في معرض الكتاب، صحيفة المصري اليوم 6/2/2017)

حقيقة كان يراها حامد بوضوح، ويرفض الكثيرون اليوم الاعتراف بها.

يوم افتتاح القاهرة السينمائي الدولي منذ أسابيع قليلة تحول المهرجان بالفعل وعن استحقاق الى احتفالية بوحيد حامد. فوحيد حامد كان الافتتاح، والافتتاح كان وحيد حامد، كما قلت في حينه على مدونتي.

واليوم، وفي وداع هذه الشخصية العملاقة والفذة والجميلة المتواضعة في آن واحد، لا نملك الا أن نشكره على زخم المتعة والحب والجمال الذي أغنى به مخيلتنا السينمائية، ولا يسعنا الا التأكيد مرة أخرى على أهمية التعلم من شغف هذا الانسان بالسينما كتعبير حي عن عمق ارتباطه بقضايا شعبه ووطنه.