لماذا عارضنا الدعوة المتعجلة للمجلس الوطني
تاريخ النشر : 2015-09-14 00:26

فهد سليمان*:

(1)

■ بعد انقضاء عقدين من الزمن على دورته الأخيرة، سعينا جاهدين، بل ناضلنا بإصرار أن يتم إنعقاد المجلس الوطني الفلسطيني بعد التحضير الجاد لأعماله، على يد لجنة تفعيل وتطوير م. ت. ف، التي تضم المستوى القيادي الأول لقوى الحركة الفلسطينية الرسمية والحزبية والمستقلة.

وفي هذا، كما هو حال الشعب الفلسطيني في كل مكان، كان هاجسنا وطموحنا أن تشكل الدورة الجديدة محطة فاصلة تنهي الانقسام، ومحطة تُستعاد من خلالها الوحدة الداخلية، وتقطع الطريق على السياسات الإنفصالية التي يتم التحضير لها؛ محطة تُنتج البرنامج الموحِّد للقوى، لتجدد الحركة الوطنية إنطلاقتها وتواصل مسيرتها على طريق العودة إلى الديار، ومن أجل الدولة المستقلة بالقدس عاصمة.

لقد نجحنا في أن نتصدى لما شهدناه من إصرار غير مفهوم وغير مبرر على رفض دعوة لجنة تفعيل وتطوير م. ت. ف، على الرغم من النداءات المتكررة، الضاغطة والملحة لمعظم القوى السياسية. كما رفضنا التحضيرات المتعجلة وغير الكافية لأعمال الدورة الجديدة للمجلس وأفشلنا محاولات تمرير الدعوة لتفعيل المادة 14/ج من النظام الأساسي لمنظمة التحرير على غير مقصدها.

مارسنا هذه السياسة حرصاً منا على صون وتجديد واستمرار الشرعية القانونية للمؤسسة الأم: م.ت.ف، مع إدراكنا – أسوة بغيرنا من القوى – بأن هذه الشرعية وحدها ستكون معرضة للتآكل، مالم نسارع لاستكمالها بالشرعية التمثيلية من خلال الإحتكام إلى صندوق الإقتراع وفق نظام التمثيل النسبي الكامل، أو بالشرعية التوافقية المتأتية من وحدة داخلية بقيادة جبهوية محصّنة ببرنامج مشترك.

هدفنا من هذا التحرك، ضد الدعوات المستعجلة، والفاقدة للتحضير الكافي، هو انعقاد مجلس وطني بنصاب سياسي كامل ولا تغيب عنه قوى موصوفة بدورها الكفاحي ضد الاحتلال، قوى سياسية ذات حيثية شعبية وازنة بلا منازع.

وناضلنا، أيضاً، لعقد دورة جديدة للمجلس الوطني تخرج بأفضل النتائج الممكنة لتصويب الخط السياسي المطبق عملياً، وتفعيل وتحسين أداء مؤسسات م.ت.ف، وبث الحياة من جديد في المؤسسات الغائبة أو المغيّبة.

كما أردناه مجلساً من أجل الخروج بقرارات واضحة للتقدم على طريق استعادة الوحدة الداخلية المفقودة.

من هنا، وبعد أن توافقنا على التأجيل ندعو لعقد (فوراً) دورة عمل كافية للجنة تفعيل وتطوير م.ت.ف. لا ترفع أعمالها إلا بعد إقرار الخطوات والإجراءات الضرورية لإنهاء الإنقسام، وإنهاء كل الصيغ القائمة خارج هيئات م.ت.ف ومؤسساتها. والتحضير للدورة القادمة للمجلس الوطني باعتبارها آخر دورة له بالتشكيل القائم، وأن يعاد تشكيله من خلال إنتخاب عضويته بنظام التمثيل النسبي الكامل، حيث أمكن إجراء إنتخابات، وبالتوافق الوطني حيث يتعذر ذلك، على أن يعقد المجلس الجديد إجتماعه كمجلس وحدة وطنية حتى موعد أقصاه منتصف العام القادم. لا قيمة للتأجيل إذا لم يتم التحضير الكافي والجيد للدورة الجديدة للمجلس، وإلا اعتبر التأجيل مجرد خطوة معدومة الأثر تندرج في إطار المناورات التي أحبطناها في الدعوة المتعجلة لانعقاد المجلس.

■■■

 

(2)

ماذا نريد من الدورة القادمة للمجلس الوطني ؟

■ في الخط السياسي ندعو إلى مغادرة أي رهان على إستئناف المفاوضات الثنائية بعد أن تبيّن، منذ زمن، وبالتجربة المرة كم هو عقيم الرهان عليها، وفي السياق الرهان على مشاريع قرارات دولية لاستئناف هذه المفاوضات بشروط هابطة.

هذا الإصرار على إستئناف المفاوضات الثنائية لا يتجاهل وحسب موقف الحكومة، لا بل الحكومات الإسرائيلية الرافض بقوة كل ما يتصل بعملية سياسية ذات مغزى، بل ينم أيضاً عن عدم توفر قناعة حقيقية بما ترتب ويترتب على التطور المفصلي الذي أحدثه قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الرقم 19/67.

■ القرار 19/67 الذي، إلى تأكيده على «حل مشكلة اللاجئين على نحو عادل وفقاً للقرار 194»، جعل من فلسطين دولة مستقلة «على الأرض الفلسطينية المحتلة منذ عام 67»، وحوّلها إلى الدولة الرقم 194 في الأمم المتحدة؛

هذا القرار أخرج إنجاز الحقوق الوطنية في الدولة والعودة من إسار المفاوضات الثنائية بشروطها المجحفة وبالرعاية المتحيّزة لواشنطن، إلى رحاب الساحة الدولية بمظلة الأمم المتحدة، ما يفتح الباب على مصراعيه أمام تدويل قضيتنا الوطنية بكل مفاعيلها الضاغطة على دولة الإحتلال.

وكما وجد إتفاق أوسلو آليته في المفاوضات الثنائية التي حجزت ومازالت على الحقوق الوطنية، يجد القرار 19/67 آليته في تدويل القضية التي تفرج عن هذه الحقوق بعد أن تطلقها في فضائها الأممي.

■ وغني عن القول أن الضغوط المتعاظمة على الإحتلال المتأتية من تدويل القضية الوطنية لن تؤتي ثمارها على النحو المطلوب، مالم تترافق – على خلفية توفير شروط صمود المجتمع الفلسطيني – مع تسخين الأرض بالمقاومة الشعبية وصولاً إلى العصيان الوطني، ومالم نتحصَّن بوحدة وطنية تستظل بها وحدة العمل في الميدان التي تُغنى والحال هكذا، بوحدة التوجه والمهام.

هذه هي شروط المعادلة التراكمية التي تعجل برحيل الإحتلال وإقتلاع مستوطناته، وليس الكلام المجاني عن تبادل الأراضي(!)، والقدس عاصمة لدولتين(!)، والحل المتفق عليه(!) لقضية اللاجئين، أو الاكتفاء بشعار رفع علم فلسطين فوق قبة الصخرة وكنيسة القيامة وأسوار القدس، في معرض رسم عناوين جدول أعمال المفاوضات الثنائية التي لا تأتي.

■ لقد عبّرت الدورة 27 للمجلس المركزي (آذار/ مارس 2015) برهافة عن هذه الوجهة في بيانها الختامي الذي قطع بانسداد الأفق السياسي أمام المفاوضات، وقرر المضي قدماً بتدويل القضية، ووقف التنسيق الأمني بكافة أشكاله ومقاطعة المنتجات الإسرائيلية في إطار التحلل من إملاءات رئيسية نصت عليها إتفاقيات أوسلو.

والآن نلاحظ بأن معظم هذه القرارات، لا سيما ما يتصل بالجانبين الأمني والإقتصادي مازالت حبراً على ورق، فيصبح المطلوب من المجلس الوطني التأكيد على تنفيذ هذه القرارات، لا بل توسيع نطاقها لجهة إعادة النظر ببروتوكول باريس الإقتصادي، وصولاً إلى إلغاء الإعتراف بالتقسيم التعسفي للمناطق في الضفة الفلسطينية على قاعدة أ، ب وج، الذي يضمن مسبقاً إستيلاء الإحتلال على القسم الأكبر عن أرضنا.

■ إن العمل على التطبيق الدقيق لقرارات المجلس المركزي مع التطويرات الآنف ذكرها، تنقلنا من خانة مواجهة التعبيرات الأكثر فجاجة وإستفزازاً وإذلالاً لاتفاقيات أوسلو إلى مواجهة إتفاقيات أوسلو بمجملها، لجهة مطالبة المجلس الوطني باتخاذ قرار بوقف العمل بهذه الإتفاقيات وإعلان إنتهاء المرحلة الانتقالية مترافقة مع إعلان بسط سيادة دولة فلسطين على كامل أراضيها المحتلة بعدوان 67، وإلغاء إعتراف م.ت.ف بدولة إسرائيل.

(3)

■ إنعقاد المجلس الوطني فرصة لا يجب أن تفوَّت من أجل التوصل إلى صيغة وطنية متفق عليها لتجديد شرعية هيئات م.ت.ف وضخ دماء جديدة فيها وفي هذا الإطار ندعو إلى:

1– إعادة الحياة للجان المجلس الوطني التي طواها النسيان، وتشكيل مجلس إدارة للصندوق القومي كما ينص على ذلك النظام الأساس لـ م.ت.ف (المادة 24) وبرئيس مستقل تبعاً للعرف السائد، وكذلك تشكيل لجنة رقابة مالية من المجلس الوطني على أعمال الصندوق القومي الفلسطيني وصندوق الإستثمار الفلسطيني.

2- إنتخاب اللجنة التنفيذية، واعتماد أسس تشكيل المجلس المركزي وتكليفه بتوسيع عضويته من المستقلين في أول إجتماع له.

3- مساندة مؤسسات القدس وتوحيدها تحت سقف مرجعية واحدة ورصد الموازنات اللازمة.

4- إيجاد آلية للمراقبة على السلطة الفلسطينية وعمل قياداتها وحكوماتها ومؤسساتها كلها، مدنية وغير مدنية، بتشكيل هيئة مشتركة بين اللجنة التنفيذية والمجلس الوطني (ومن بين أعضاء التشريعي من عضويته بالتحديد) لوقف الإنفراد، وللرقابة الملزمة على تنفيذ القرارات الصادرة عن المجلس الوطني كما والمجلسين المركزي والتشريعي (في حال بقاء الأخير).

■ من الأهمية بمكان إعادة الإعتبار لهذه المؤسسات، بحيث تكون هيئات مقررة، ذات قرارات ملزمة، ونافذة، لها آليات محددة ترسم لها دورات إجتماعاتها، وصلاحياتها، وسلطاتها، وليست مجرد هيئات، تدعى عند الحاجة، ولا يؤخذ أحياناً حتى برأيها الإستشاري.

وفي هذا المجال ندعو إلى التعاطي مع اللجنة التنفيذية – عملياً وليس لفظياً وحسب – كقيادة لعموم شعبنا الفلسطيني، ذات صلاحيات وقرارات ملزمة ونافذة. كما ندعو للتعاطي مع المجلس المركزي باعتباره الهيئة التي تنوب عن المجلس الوطني في دوراته العادية، وباعتباره أيضاً صاحب صلاحيات وقرارات ملزمة ونافذة.

 (4)

■ في إطار مراجعتنا لتجربتنا الوطنية لا بد من التوقف أمام الوضع في قطاع غزة، وتحديداً أمام المشاورات غير المباشرة بين حماس وسلطات الإحتلال لنقول التالي:

هذه المشاورات وخلافاً لما قيل لا تشكل إمتداداً للمفاوضات غير المباشرة للوفد الفلسطيني الموحد في أعقاب عدوان «الجرف الصامد»، بل نراه شكلاً خطيراً من أشكال الإستفراد بالمصير الوطني للقطاع، لذلك ندعو إلى وقف هذه المشاورات فوراً، والعودة إلى الصيغة الوطنية البديلة ممثلة بالوفد الفلسطيني الموحد، وعبر هذا الوفد، ومن خلال الرعاية المصرية، يفترض الوصول إلى التفاهمات الضرورية، إن حول التهدئة وزمانها، وفك الحصار وإجراءاته بما في ذلك إعادة تأهيل مطار غزة وإنشاء مرفأها، وإعادة إعمار ما دمره عدوان «الجرف الصامد».

■ إن أية نتائج قد تسفر عنها المشاورات المنفردة، ستلحق ضرراً بالغاً بالمشروع الوطني الفلسطيني، وستشكل خطراً داهماً على مستقبل القطاع، وعلى علاقته بالضفة الفلسطينية.

ومن هنا أيضاً حرصنا على ضرورة إستئناف الحوار الوطني، لاستعادة الوحدة الداخلية وتكريس مبدأ الشراكة الوطنية في صياغة القرار الوطني.

 

 

(5)

■ تدخل نكبة أهلنا في سوريا عامها الخامس، وهي تزداد تعقيداً خاصة بعد موجات الهجرة الجماعية التي باتت تهدد تماسك ومستقبل الكتلة السكانية الفلسطينية في القطر. ولا نضيف جديداً إذا ما أشرنا إلى أجواء عدم الرضى بل والسخط التي تسود صفوف أهلنا في سوريا جراء إحساسهم بأن م.ت.ف لم تقم بواجبها الضروري في معالجة قضاياهم، ولم تستجب لسلسلة نداءاتهم في تشكيل خلية أزمة لمتابعة أوضاعهم في إطار اللجنة التنفيذية بالتعاون الوثيق مع دائرة شئون اللاجئين. إننا على ثقة بأن مجلسنا الوطني أن يولي قضية أهلنا اللاجئين في سوريا الأهتمام اللازم من خلال إعتماد وتأكيد مايلي:

1– توحيد السياسة الفلسطينية من الأزمة السورية بالتأكيد على تحييد الحالة الفلسطينية، وتحييد مخيماتنا، وعدم الزج بها في الصراع الجاري، وضمان خلوها من السلاح والمسلحين، وبقاءها مناطق أمن واستقرار لسكانها.

2- الوقوف إلى جانب وحدة سوريا ووحدة أرضها وشعبها، ورفض سياسات التدخل في شؤونها، والدعوة إلى حل سياسي لأزمتها.

3- توفير كل مستلزمات الدعم والصمود لأهلنا في سوريا من إغاثة ومأوى ومصادر رزق بديلة لمن فقدوا مصادر رزقهم وأملاكهم.

4- توفير الدعم للصامدين في مخيم اليرموك وغيره من المخيمات المنكوبة. والتحرك في مُختلف الإتجاهات لإخراج المسلحين من اليرموك وغيره من المخيمات وإعادة سكانها إليها، والبحث في السبل الكفيلة بإعادة إعمار ما هدمته الحروب والمعارك، بما يضمن عودة الاستقرار لأهلنا.

5- التحرك نحو الجهات المعنية لمعالجة قضية الموقوفين والمفقودين من أبناء شعبنا.

■ وفي لبنان أيضاً لا تقل مأساة أهلنا اللاجئين شدة عن مأساة أهلنا في سوريا، خاصة في ظل السياسات التمييزية ذات النكهة العنصرية التي مازالت الحكومات اللبنانية المتعاقبة تتبعها ضدهم في تعنتها ورفضها الإعتراف بحقوقهم الإنسانية والإجتماعية.

كذلك مازالت قضية إعمار مخيم نهر البارد مفتوحة على مصراعيها، ويبقى مخيم عين الحلوة جرحاً نازفاً في الجسم الفلسطيني في لبنان، ما يستوجب لأهميته اليقظة الفلسطينية سياسياً وعسكرياً بالتعاون مع الجهات الرسمية في لبنان لمحاصرة المؤامرة ذات البعد الإقليمي الهادفة إلى زج وتوريط العامل الفلسطيني في المعركة الدائرة رحاها في أكثر من بلد على إمتداد الإقليم.

■ ولا يصح أن نغلق ملف اللاجئين من أبناء شعبنا دون التوقف أمام الأوضاع الأخيرة التي طرأت على وكالة الغوث وعلى أوضاعها المالية، ما هدد بوقف أو تقليص موازناتها إلى أبعد حدود في شتى المجالات.

إننا نرى بأن أي مساس بوضع الأونروا، خاصة وقف أو تقليص تمويلها، يعد مساساً خطيراً بالاحتياجات المعيشية للاجئين من جهة، وبحق العودة من جهة أخرى، لذلك نحن مدعوون لبحث هذه القضية ولاتخاذ من القرارات والتوجهات ما يضمن للاجئين حقوقهم الإنسانية والإجتماعية والسياسية والوطنية، وفي مقدمها حقهم في العيش الكريم والأمن والمستقر إلى أن يبزع فجر العودة إلى الديار.

(6)

■ يعيش العالم من حولنا، وعلى إمتداد الإقليم، متغيرات عاصفة، ستكون لها إنعكاساتها الواضحة على مستقبل الكيانات والشعوب، وفي سياقها ستتعزز قيم وتقاليد الحرية والمساواة، والديمقراطية والكرامة الوطنية والحق في العيش الكريم بعيداً عن كل أشكال الاستغلال والاستبداد والظلم والكراهية.

وشعبنا الفلسطيني في مقدمة هذه الشعوب التي من حقها التمتع باستقلالها وحريتها وأن يكون لها كيانها الوطني المستقل كامل السيادة، وأن يتحقق للاجئين من أبنائه حقهم في العودة إلى الديار.

ومهما بلغ تعنت العدو مبلغه، فإن لا خيار أمام شعبنا وحركته الوطنية سوى مواصلة الكفاح إلى أن تتحقق أهدافه الوطنية.

ولنعمل معاً على التحضير لدورة «جديدة» للمجلس الوطني الفلسطيني تأخذ القرارات والتوجهات الضرورية لاستعادة الوحدة الداخلية وبناء الوحدة الوطنية على أساس من الشراكة الوطنية المسؤولة، وتعزيز صمود شعبنا وقدرته على مواصلة النضال في مواجهة الاحتلال جيشاَ ودولة ومستوطنين■

نائب الأمين العام

للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين:

الآراء المطروحة تعبر عن رأي كاتبها وليس بالضرورة أنها تعبر عن الموقف الرسمي لموقع " ريال ميديا "