ولّوا وجوهكم شَطر مصر !
تاريخ النشر : 2020-11-24 00:53

عامر المصري:

للفلسطيني وجهين، اسمين، لهجتين، بلدين، واحدٌ فلسطيني وآخر مصري. يتغلّب المصري الفلسطيني على الفلسطيني المصري، فتراه يتابع أفلام رشدي أباظة ويوسف شاهين ونور الشريف، وتراه وهو يتحمّس في تشجيع الزمالك هاتفًا باسم حسن شحاتة وفاروق جعفر، ويتروّق وهو يتابع الأهلي منتميًا انتماءَ مصريٍّ يلعب الكورة في الجزيرة، وتراه وهو يستمع إلى عُمر خيرت مستجيب الحواس والقلب، وتراه وهو يسلطن على روايات نجيب محفوظ ويوسف إدريس، وتراه في المساء يجلس أمام روتانا كلاسيك مشعلًا نرجيلته ناظرًا إلى منديل السّت أم كلثوم وهي تغنّي: إنت عمري.

ويتغلب الفلسطيني المصري على المصري الفلسطيني عندما تراه يتوقف في منتصف خطاب لأبو عمار قائلًا: تدرّب أبو عمار في الجيش المصري، لقد أعطتنا مصر بندقية مثلما أعطتنا مِن قبل رغيف خُبز. وتراه يقف أمام كاركاتير لناجي العلي ليقول: كتب الأبنودي "الموت على الأسفلت" عَن وإلى ناجي العلي. وإذا سألت الفلسطيني المصري عن مغنّية المفضل، فسيكون الاسم المرافق لعبد الله حداد هو عبد الحليم حافظ. وإذا وقفَ المهاجر الفلسطيني المصري أمام البحر مستذكرًا حي المنشية في يافا، تذكر حي المنشية في الإسكندرية في الوقت ذاته.

يقف الفلسطيني أمام المرآة فيجد وجهين، وجهًا قمحيًا مغموسًا في نهر النيل، وآخر قمحي أيضًا ولكنه مِن تراب عسقلان. يتكلم الفلسطيني فيسمع الناس صوتين، صوت بلهجة فلسطيني، وصوت آخر بلهجة مصرية، يسافر الفلسطيني فيشتاق إلى بلدين: مصر وفلسطين. ولو كان للفلسطيني أن يختار قِبلةً في صلاته لقال: مِصر، مِصر، مِصر.

تنويه: الصورة المرفقة هي عبارة عن إعلان لرحلة بين مصر وفلسطين عام 1947:

من القاهرة إلى القُدس بـ 3 جُنيهات.

 

الآراء المطروحة تعبر عن رأي كاتبها وليس بالضرورة أنها تعبر عن الموقف الرسمي لـ "ريال ميديا"