المطلوب مراجعة استراتيجية شاملة وليس مجرد ردود أفعال
تاريخ النشر : 2020-05-05 02:53

د. إبراهيم أبراش:
اجتماعات اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية واللجنة المركزية لحركة فتح والمتوقع أن تنعقد هذه الأيام يجب أن تكون مختلفة عن كل الاجتماعات السابقة. فعندما يكون الوضع على درجة من الخطورة كما هو الحال فيما آلت إليه القضية الفلسطينية من توجه إسرائيلي لضم منطقة الغور والمستوطنات بعد ما جرى بالنسبة للقدس وإنهاء حل الدولتين وهو ما يشكل تهديداً ليس فقط للسلطة الوطنية ولحل الدولتين بل للوجود الوطني برمته، في هذه الحالة يجب تجاوز ردود الأفعال الآنية ووضع استراتيجية شاملة تتضمن مراجعة شاملة.

إن اقتصر الأمر على اجتماعات روتينية تؤكد على تنفيذ قرارات سابقة وعلى الشجب والتنديد والتطرف في الخطاب والتأكيد على ما تسمى الثوابت الوطنية وما يجب عمله ضمن الإمكانيات المتاحة وتحت ذريعة أن السياسة فن الممكن، وهي الذريعة التي طالما رددناها وكأنها قانون مسلم به وحقيقة قاطعة وفي النهاية لم نحقق لا الممكن ولا المأمول، في هذه الحالة فإن الاجتماعات وما يصدر عنها من قرارات لن تكون في مستوى خطورة الحدث ولا تندرج في سياق الفعل الاستراتيجي ،بل ستكون محاولة فاشلة لتدوير الزوايا ومجرد ردود أفعال تحاول الطبقة السياسية من خلالها إثبات حضورها وإطالة أمد وجودها في السلطة.

المفهوم العلمي والصحيح للاستراتيجية في المنعطفات المصيرية وفي حالة كالحالة الفلسطينية يجب أن تتضمن مراجعة شاملة لمجمل المسيرة الوطنية، من سلوكيات وأيديولوجيات وثقافات وأفكار ومسلمات وبنى تنظيمية وشبكة علاقات وتحالفات، لأنها كلها تتحمل المسؤولية عما وصلنا إليه، والقيادة الفلسطينية تعترف أنه في حالة ضم إسرائيل للأراضي فسينتهي حل الدولتين وبالتالي تنتهي العملية السلمية التي بدأت مع اتفاق أوسلو .

وعندما نقول ونطالب بمراجعة استراتيجية لأنه منذ دورة المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر (دورة إعلان الاستقلال) في الخامس عشر من نوفمبر 1988 لم يجري أي لقاء وطني توافقي ولم تحدث أية مراجعة استراتيجية حتى داخل منظمة التحرير، بالرغم من الأحداث الجِسام التي مرت على القضية الوطنية، واستمر النظام السياسي يعاني من حالة تخبط وتيه ومراهنة على الخارج وتجريبية قاتلة وما يصدر عنه مجرد ردود أفعال وقرارات لا تنفذ غالباً، وجاء الانقسام ليزيد الوضع تعقيداً.

في المنعطفات التاريخية وعندما تكون الأمة والوطن في خطر فإن الأمر يحتاج لوقفة مراجعة شاملة لمعتقدات وأيديولوجيات وسياسات وطابوات وبرادغمات تعايش معها وتعود عليها الشعب لعقود حتى توَهَّم أنها مسلمات وحقائق وأن النصر والتحرير لن يتأتيا إلا بها ومن خلالها. هذه المراجعة والاستراتيجية الجديدة قد تكون مؤلمة للشعب وتضر آنياً بمصالح فئات عديدة، ولكنها ضرورية حتى يستفيق الشعب من غفوته ومن المراهنات المريحة نفسياً، والمنافية للعقلانية السياسية والمدمرة لمصلحة الوطن عملياً.

وفي هذا السياق، فالاستراتيجية الوطنية المطلوبة يجب أن تضع محل النقاش قضايا بعضها كان بمثابة مسلمات عند انطلاق الثورة الفلسطينية في منتصف الستينيات وأخرى تم اصطناعها أو ترويجها لاحقاً كمسلمات وحقائق. والمراجعة ليس بهدف التجاوز والقطيعة معها أو الحكم القاطع بأنها غير صحيحة أو أصبحت متجاوَزة، بل بهدف التمحيص وإعادة النظر للتأكد من مدى ثباتها وموائمتها في ظل المتغيرات المتسارعة في العالم، وأهم هذه القضايا أو (المسلمات): -

1-   عدم حل القضية الفلسطينية يهدد السلام العالمي.

2-   إسرائيل المصدر الرئيس الذي يهدد أمن واستقرار السلام العالمي.

3-   اليهود يسيطرون على العالم ويوجهون سياساته.

4-   البعد القومي للقضية الفلسطينية، وفلسطين قضية العرب الأولى.

5-   البعد الإسلامي والقدس خط أحمر بالنسبة للمسلمين.

6-   ستقام الدولة الفلسطينية من خلال الشرعية الدولية والأمم المتحدة.

7-   المقاومة والجهاد المقدس الطريق الوحيد لتحرير فلسطين.

8-   القيادات السياسية على صواب وتحقق انجازات سواء في مجال المقاومة العسكرية الجهادية في غزة أو في مجال العمل السياسي والدبلوماسي للسلطة.

9-   الانقسام سببه خلافات فتح وحماس.

10-                      منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد لكل الشعب الفلسطيني.

بناء على إعادة تقييم (المسلمات) السابقة يمكن صياغة الاستراتيجية المطلوبة التي تحتاج حضور كل المكونات السياسية من داخل منظمة التحرير ومن خارجها.

وهذه بعض الخطوط العريضة يمكن التفكير فيها كأساس للاستراتيجية الوطنية المطلوبة:

1-   لأن الطبقة السياسية في غزة والضفة وصلت لطريق مسدود ولا يمكن المراهنة عليها في وضعها الحالي للرد على مشروع تصفية القضية، يجب إجراء الانتخابات العامة على كافة مستوياتها: التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني.

2-   انجاز الوحدة الوطنية بأسرع وقت، ووضع حد لمهزلة حوارات المصالحة بالشكل الذي كانت تجري عليه طوال عشرة أعوام، وهذا يتطلب تغيير الأسس والمنطلقات التي تقوم عليها الحوارات، وتغيير الأشخاص المكلفين بها.

3-   التوافق وطنياً على تحديد الهدف الاستراتيجي النهائي والأهداف المرحلية.

4-   إعادة صياغة العلاقات الفلسطينية مع العالمين العربي والإسلامي على أسس جديدة تأخذ بعين الاعتبار السياسة الواقعية وليس الاعتبارات الأيديولوجية القومية والعلاقات التاريخية فقط.

5-   إعادة النظر في المراهنة المبالَغ فيها لمنظمة التحرير على الشرعية الدولية ومحكمة الجنايات الدولية.

6-   إعادة النظر بمفهوم المقاومة واستراتيجيتها، لأن ما يجري على حدود قطاع غزة لا علاقة له بالمقاومة بل يسيء لها ويُسخِّفُها، كما أن العمليات الفدائية الفردية في الضفة الغربية لا تكفي.

7-   مع ضرورة الاستمرار بالتمسك بنهج السلام والتسوية السياسية العادلة إلا أنه مطلوب إعادة النظر بالنهج المتبع في التعامل مع التسوية والشرعية الدولية وبمن يتولى أمرهما.

8-   الحسم في موضوع السلطة الفلسطينية وما ارتبط بها من اتفاقات وبروتوكولات، وهل ما زالت ضرورة ومصلحة وطنية؟ وإن كانت كذلك فكيف نجعلها نقطة انطلاق نحو الدولة؟ وإن لم تكن كذلك فما هو البديل لها؟.

ربما بعض مكونات الطبقة السياسية ملمة بكل ما سبق ومقتنعة به إلا أنها غير قادرة على تنفيذه مباشرة بفعل بنيتها وارتباطاتها ومصالحها، وخصوصاً أن قرارات وتصريحات صدرت عن القيادات والمؤسسات الرسمية والحزبية طالبت أكثر من مرة بالأخذ ببعض هذه العناصر ولكن دون جدوى.

ومع ذلك، فلن نفقد الأمل لأننا نلمس حالة غضب وتمرد عند الشعب، وجذوة وطنية خامدة عن البعض من الطبقة السياسية ممن لا يرغبون بأن ينهوا حياتهم بوصمة الخيانة. حتى وإن لم تستجب الطبقة السياسية لهذه الاستراتيجية وغيرها من النصائح والمقترحات التي قدمتها أكثر من جهة وطنية، يبقى الأمل بأن تكون المراجعة الاستراتيجية أساساً لتفكير جديد خارج الصندوق.   

الآراء المطروحة تعبر عن رأي كاتبها وليس بالضرورة أنها تعبر عن الموقف الرسمي لـ "ريال ميديا"