في سجني الانفرادي
تاريخ النشر : 2019-03-17 02:53

فوزية آوزدمير:

تكلمت بلا لسان ، ووقفت بلا قدمين ، وكلما أوجعني صخب السؤال ، جلست على مؤخرتي المثقوبة وحدقت في الأعالي 
أمضي معظم ساعات يقظتي العاطفية المتشابكة التي تنطوي على متع جسدية بحتة في تنقيبي عن بيض قمل لم يفقس بعد 
كان الألم كرة تتدحرج من أرض بعيدة ، كان الألم نشيد إله مكسور الجناح 
أصابني الصمت المطبق الذي يخيم على البطانية المهترئة بالدهشة 
قلت لنفسي : إنها هادئة إلى درجة غير معقولة 
لم تكن الصراصير في منتجع جبلي منعزل .. ؟
فنّ أن تكون فارغاً في كثير من الأحيان ، ويكون السبب الوحيد الذي تعرفه لبقائك على قيد الحياة هو :
ذلك الثقل الذي يسكن صدرك 
في البداية ، عندما أقمت في هذه الغرفة ، كان الضجيج اللانهائي المنبعث من السرداب الخلفي ، يجعلني مستيقظاً طوال الليل ، فقد كانت جرجرة الأرجل الطويلة الكبيرة التي تجعل مواعيد أوقاتها في ساعات منتصف الليل تصيبني بنوبات من ضيق التنفس ، وعند إشارة السوط التي لا تبعد أكثر من رمشة عين أسفل الكتف وبين أضلاع الظهر ، كنت أستعيد وعيي ، وكان الضجيج يتوقف بشكل دوري ، وما هي إلا لحظات خارقة للزمن حتى يعود السكون يمزق أجساد الليل ، يتمزق الضوء المسترسل داخل الجمجمة ، عندما تعود الهراوات للانطلاق ثانية ، ويعود الهدير الذي لا يرحم بلا هوادة 
تخف حركة مرور الأرواح ،و تتسابق مبتعدة الواحدة تلوّ الأخرى 
كان يبدو لي أنّ الهدير الذي تصدره تلك الأرواح ، ينبعث من أعماق الأرض فقط ، حين كنت أقبع في سرير الأحلام ، أدور بشهقات الشهوة بعيداً عن شجرة تين وراء النافذة المرسومة على الحيطان ، وأنا أرقرق حكايتي بين أصبعين مرتعشتين ، ترقص حبلى بين جيوب غراب فرحان 
الأرواح ملأى بالرغبات والمدى طيارات ورقية تقترب وتبتعد ، بشر يتزاحمون في قاع الحياة ، ونهار يقصر من أكمامه ، وقمصان تنزلق عن الأجساد ، وبناطيل تهوى متأرجحة على الساقين ، لينطلق صوت الموت أخرس يدوي بعيداً في الفراغ 
ويعود قلبي يخفق بقوة أشدّ ، وتطبق الجدران السوداء عليّ ، فأنتصب جالساً في بولي لاهثاً بشدة ك كلب ، لم أتعود سماع هذا الهدير الصاخب على مدار الساعة إلا بعد حوالي عشرة أعوام 
لا أدري هل التوقيت في إجازة ، أم أنا في نعمة النسيان ..؟
عندما كان يخطر ببالي أن أمضي الليلة في أحضان فتاتي ، عندما كنت لا أزال أحب وكانت لي ، كنت أرفض ساعات الحيطان ، أرفضها رفضا قاطعا على الفور ، لأنني أعرف أنه لن يغمض لي جفن فيها 
لقد تعودت على الخراء في سطلي المثقوب من كل الجهات ، وبات يثوي في ثنايا مؤخرتي وعيي البعيد ، كلما تلاشت دندنة سعالي ، كنت أكره دوما اللحظات التي تفتح فيها الأبواب ، وتعدم ألواح الخشب الفراغ ، وأصبح وجهاً لوجه مع شخص غريب الأطوار 
كما لو أنه مليئاً بالضوضاء في فراغات لا يمكنني أن أراها من كوة نافذة عقلي 
لم أر سوى ضوء منبعث من ثقوب جمجمة واحدة فقط ، تدور كالحة السواد في صفوف النوافذ المعتمة للأجساد المريضة بمرض " الحرية العضال " 
فاكتشف أن أعماقهم رجرجة في جسد قابل للاشتعال ، ما أن تبدأ هزّات اللذة تود استعادتها من الموت عبر أعماق الرجال 
بينما أنا أتأمل كيف تموت الروح في تعاريج وكهوف ليس فيها سوى فجوات وكوى وتكوينات تكتفي بقليل من جلدٍ سميك على كتابة قصة النشوء والارتفاء على جلود ذوي ثقافة فراشية سامية 
أنا الشخص الوحيد الذي عندما ولجت إلى داخل نفسي ، أعدمت الأحساس على مقصلة الساعة المتأخرة من الليل ، وكنت أدرك أحيانا ً ، بدهشة شديدة ، أنّ تكتكات ضراطي الأشبه بالعقرب الثاني للساعة المعلّقة على الحائط ، أصبح الصوت الذي يمكنني سماعه 
أما الآن فقد بدأت أشعر بأنّ سكوتاً مطبقاً يخيم على الغرفة المجاورة ، وبدأت أتساءل إلى أين ستقودني أحاسيسي هذه .. ؟
سرت قشعريرة باردة في عمودي الفقري الشفاف ، وأحسست كما لو كنت معلّقاً وسط فراغ مظلم واسع ، وحيداً تماماً 
هدوء مخيف يجثم على المكان ،.الغرفة لحظة غياب أبدي تأخذ مني الطمأنينة .. همهمت لنفسي 
النمل لا يتلصص على الأجساد المتعفنة 
غايته أن يقطف حبة شعير أو حبتين 
وحده الجلاد في الركن يراقب بلا اكتراث .. !!!!!!!!