غزة: التعطل عن العمل يطال 200 ألف عامل ويخلف آثاراً نفسية واجتماعية
تاريخ النشر : 2015-05-01 17:07

غزة - " ريال ميديا":

يجلس العامل إيهاب خير الدين يائساً أمام منزله في مخيم جباليا، وعاجزاً أمام طلبات أفراد أسرته المتكررة.

لم يجد خير الدين (45 عاماً)، المتعطل منذ سنوات عن عمله بعد تدمير المصنع الذي كان يعمل به خلال عدوان الاحتلال، عامي 2008-2009، سوى بيع بعض السكاكر لأطفال جيرانه وبعض المارة، بحثاً عما يمكن أن يوفر له مبلغاً لا يزيد عن عشرة شواكل يومياً.

قال إنه فقير جداً وأسرته تعتاش على القليل، ولا يجد كيف يمكن أن يوفر القوت لأطفاله الخمسة.

أضاف» فش شغل بالمرة، أسأل عن فرصة عمل في أي مكان ولا أجد»

ويعاني العمال الذين يمثلون شريحة واسعة من المجتمع في قطاع غزة من البطالة وقلة فرص العمل، وينتظرون منذ أن انتهى العدوان الأخير إعمار غزة لكي يجدوا فرص عمل في مجال البناء.

200 ألف عاطل

وبحسب إحصائيات رسمية، يشكل العمال ما نسبة 60% من حجم القوى العاملة، كما أظهرت إحصاءات رسمية وجود نحو 200 ألف عاطل عن العمل في قطاع غزة.

وعُرف عن هذه الشريحة البؤس والشقاء، فهم مستعدون للعمل تحت أي ظروف من أجل كسب قوت أسرهم، إلا أن ذلك لم يتسن لهم.

قال خير الدين: «ازداد أملنا في تحسن الظروف منذ أن أعلنوا عن بدء إعمار غزة، وتوقعنا أن يبدأ مشروع كبير لذلك قد نجد به فرصة عمل، إلا أن ذلك لم يتم أيضاً».

فقر ومرض

من جهته أوضح العامل محمود الرضيع (35 عاماً) أنه أصيب بمرض السكر وضغط الدم في سن مبكرة، وزادت مراجعاته للمستشفى، نتيجة للظروف القاسية التي يمر بها.

أضاف أنه يشعر دوماً بالتعب النفسي واليأس بسبب عجزه عن توفير قوت أبنائه، وعدم تمكنه من إيجاد فرصة عمل، مشيراً إلى أن مرور أيام عدة وهو لا يملك شيكلاً واحداً جعله يشعر بالجنون.

وما يفاقم معاناة العامل الرضيع هو إعالته لطفلتين معاقتين، واحتياجهما للاعتناء والاهتمام، ما يكلفه مبالغ كبيرة لا يستطيع تدبيرها، دون الإعانة المالية التي يتلقاها من وزارة الشئون الاجتماعية لطفلتيه، وهي بواقع 1000 شيكل كل ثلاثة شهور.

وبدا العامل أمجد عبد الرحمن (47عاماً)، الذي كان عائداً للتو من عيادة وكالة الغوث الدولية «الأونروا» يائساً من ظروف حياته الصعبة وهو يعاني من الفقر والبطالة والعوز.

وقال، إنه أصيب بمرض ضغط الدم مؤخراً؛ من شدة ما يواجهه من متاعب نفسية واجتماعية في حياته، أبرزها انقطاعه عن العمل منذ بداية العام 2000، حيث منعت سلطات الاحتلال دخول عشرات آلاف العمال للعمل في إسرائيل.

أوضح العامل»عبد الرحمن» الذي يسكن في مشروع بيت لاهيا لـ «الأيام»، أنه لم يتمكن من إيجاد مصدر دخل لأسرته المكونة من ستة أفراد منذ ذلك الحين، إلا من فترات عمل محدودة ومتقطعة في مشاغل محلية، لم توفر له ولأسرته أدني مقومات العيش الكريم.

قال «توجهت إلى الكثير من المؤسسات لإيجاد فرصة عمل، وسجلت اسمي أكثر من مرة في برامج التشغيل المؤقت، وأستجدى المشغلين في مجال التشغيل المحلي؛ لإتاحة الفرصة له من أجل كسب العيش، دون فائدة»

آثار نفسية واجتماعية

على الصعيد ذاته، نجم عن تعطل العمال والصعوبة في إيجاد مصادر لكسب العيش، آثار نفسية ألمت بهم، فغالبيتهم يعانون حالة الإحباط واليأس طالما ظلوا يقضون الوقت دون عمل، وآخرون تلقوا خدمات دعم نفسي بحسب أخصائيين نفسيين واجتماعيين يعملون في مؤسسات أهلية، ومصادر في عيادات الصحة النفسية.

وتسببت الحالة النفسية التي يمر بها هؤلاء العمال في حدوث مشكلات أسرية، ناجمة عن فقر الحال وانعدام الدخل.

وقالت الأخصائية النفسية أريج وليد، التي تعمل في مؤسسة صحية أهلية في جباليا لـ «الأيام»، من الطبيعي أن يُصاب أي شخص متعطل عن العمل منذ فترة طويلة بحالة اليأس والإحباط التي قد تتفاقم لتتحول إلى مرض نفسي، فكيف بهؤلاء العمال الذين يمرون بظروف صعبة منذ سنوات طويلة.

وأوضحت أن للبطالة آثاراً نفسية واجتماعية تصيب العمال وتشعرهم بالنقص، إضافة إلى أنها تورثهم آثاراً اجتماعية خطيرة، إضافةً إلى أن الفرد العاطل عن العمل يشعر بالفراغ وعدم تقدير المجتمع له، ما ينشئ لديه العدوانية والإحباط.

وأشارت، إلى إحصائيات رسمية أفادت بأن نسبة 90% من حالات الطلاق في محاكم غزة أسبابها ناجمة عن أوضاع اقتصادية سببها البطالة.

واعتبر بعض خبراء الصحة النفسية، أن مشكلة البطالة من أخطر المشكلات التي يواجهها المجتمع؛ نظراً لما لها من آثار سلبية خطيرة على المستويات الاقتصادية والاجتماعية.

وأكدوا أن الأسر التي يفقد فيها الزوج وظيفته فإن التأثير ينعكس سلباً على الزوجات وعلى العلاقة الأسرية ومعاملة الأبناء من ناحية، ومن ناحية أخرى يتعرض الزوج لأمراض صحية تابعة كأمراض ضغط الدم والسكري والجلطات.

لا حلول جذرية

وبدا واضحاً، أن مخططي السياسات العامة غيبوا منذ أن بدأ الانقسام، اهتمامهم بالعمال وافتقادهم البرنامج الوطني للنهوض بالتنمية، ولم يلتفت أحد لحاجتهم للعمل وكسب العيش.

ووصف نضال غبن مدير مركز الديمقراطية وحقوق العاملين، واقع العمال بأنه في تراجع كبير طيلة السنوات التي أعقبت الانقسام، خصوصاً فيما يتعلق بمعاجلة ظاهرة البطالة، من خلال تشريعات وتنفيذ مشاريع تنموية.

وقال تواصل التشريعات، لا سيما بعد الانقسام، تنكرها وتجاهلها لحل مشكلة العمال المتعطلين عن العمل منذ سنوات، ولم ينجح المجلس التشريعي بسن قوانين لها علاقة بالحماية الاجتماعية للعمال، ولا تنفذ سواء الحكومة الحالية أو السابقة في غزة أو المؤسسات الأهلية المعنية، أي مشاريع تنموية تمكن العمال من إيجاد مصادر الدخل الكريم، وكل ما يتم تنفيذه هو مشاريع إغاثية تنال من كرامة وحرية العامل المتعطش لإيجاد فرصة عمل، مؤكداً أن المشكلة العمالية لم ترق إلى مستوى الحلول الجذرية حتى اللحظة.

ويأمل عمال غزة بشكل عام، إحداث التغيير الإيجابي في واقعهم المتردي منذ أكثر من 15 عاماً، في حال تمكين حكومة الوفاق من العمل في غزة، والبدء بتنفيذ مشروع إعادة إعمار غزة الذي حتماً سيستجيب لحاجتهم في إيجاد فرص عمل.

"الايام"