مخيم اليرموك .. لن يرموك
تاريخ النشر : 2015-04-06 01:48

احسان الجمل:

ليس من السهل ان تكتب عن مخيم اليرموك، وسط هذه الخارطة من الموت والنار والدخان المنبعث مع رائحة الموت، ووسط سيل كبير من الشائعات والاخبار المتضاربة التي تحاول ان تبرر او تدافع عن كل طرف حسب موقعه واصطفافه ومصلحته. لكن هناك حقيقة واحدة واضحة ومطلقة لا يمكن اغفالها او انكارها، بأن المخيم واهله هم الضحية، وبالتالي هذا جزء من ضرب حق العودة للاجئين الذي يمثل العقبة الاساسية في تقدم اي حل سلمي او تسووي على حسابهم، طالما هم يقبضون على الجمر. لذلك لا بد من قطع تلك اليد لاطفاء الجمرة فيها.

المخيم اليوم وصل الى اعلى مراحل الاشتعال، وهو في مهب العاصفة، من جهاته الاربع، من تبقى من سكانه، يعانون ما يعانون من كل اصناف اللاحياة، وما يتعارض مع كل الشرائع السماوية والدنيوية، وما كتب عن حقوق الانسان.

كل ذلك، يجري وسط غياب المسؤولية عن مخيم يعتبر من الاكبر لللاجئين، وحالة رمزية، ودور تاريخي في النضال لاجل فلسطين شعبا وارضا وقضية.، لا يمكنك ان تبرأ احدا من شراكته في الجريمة، ولو اختلفت النسب، مع ان الضحية واحدة، هو الشعب الفلسطيني، وكأنه لم يعد هناك خجلا من انتقال عملية اعدامه من السر الى العلن.

بداية قدرنا ودعمنا موقف منظمة التحرير الفلسطينية، وسلطتها الوطنية، بموقف النأي بالنفس وتحييد المخيم، الذي كان يعتبر ملاذا لكل من يهرب من جحيم الازمة، واردنا لهذه الصورة ان تستمر، لان للفلسطيني همه الذي يفوق كل ما يجري في المنطقة، باعتباره الهدف الاساس، ويجب الحفاظ على مكوناته، وتأهيلها لمعركته مع الاحتلال الاسرائيلي، بعيدا عن اي شان عربي داخلي، لان فلسطين هي المركز وليست طرفا.

لكن حين زج بالمخيم، وتم خطفه وتوريطه في الصر اع الداخلي، لم يعد للنأي بالنفس والتحييد مكان في خارطة القرار الفلسطيني، صار واجبا ولزاما وحاجة وضرورة العمل على حمايته والدفاع عنه، كان يجب التعامل مع هذا المعطى بالجانبين السياسي والامني. وليس عبر البعد الانساني، باغاثات لم يكن احدا متاكدا من وصولها.

كل زيارات الوفد الفلسطيني، لم تخرج عن اطارها الدبلوماسي والبرتوكولي، وكانها تسجيل حضور في دفتر عزاء، كواجب انساني يرفع المسؤولية عن كاهلها. لم يلمس الفلسطيني في سوريا جدية في الموقف الرسمي المسؤول والحريص، بل وجد هروبا الى الامام من مسؤولية قيادية ووطنية واخلاقية، مما زاد من عمق الازمة، ومن عمق الهوة بين الشعب والقيادة.

ان من كان يرفع الصوت، لخوف من وصول داعش وارهابها الى الضفة، كان يجب ان يعمل لعدم وصولها الى اليرموك وعين الحلوة، والى اي مكان يتواجد فيه الفلسطيني، وهنا فرق كبير في رمزية الرسالة، من ان نحذر الاحتلال من ارهاب داعش، او نحمي شعبنا من ارهابها.

الطرف الفلسطيني الثاني في المعادلة، والمكرس لانقسام طال امده، وعمق في الجرح الفلسطيني، وهو حماس، الذي ورط الفلسطيني في سوريا التي احتضنته، ومارس سياسة الاصطفاف السياسي بالتنظيم الدولي للاخوان، وهذا لا يتفق مع سياسية الحياد والنأي بالنفس، فكأنه يلعب سياسة النعامة بدفن الراس في الرمل، في موقف تراجيدي مضحك مبكي. هذه الحركة البرغماتية التي تجيد اللعبة الاعلامية والخطاب الشعبوي، على حساب الدم الفلسطيني، لصالح مشاريع الغير، وما اكثرها، لا يعفي جزئية الاشتباك الاخير مع النصرة وداعش من الباسها ثوب البراءة والحمل الوديع، فهي مصيبة المصائب، ومن رسمت خطوط تماس داخل المخيم، وصنعت المعاناة الداخلية للمخيم بكل تفاصيلها البشعة من موت وخوف واستغلال لموارد الحياة، قد يقول البعض ان هناك حصارا، نقول نعم، لكن ذلك نتيجة وليست سببا وحق طبيعي لكل صاحب سيادة ان يتخذ الاجراءات لحماية امنه الوطني. ولكن الاهم هو السبب والمسبب.

كم هو مضحك ان تسمع المواقف الحمساوية التي تطالب بوقف ما يجري داخل اليرموك، وكانها من كوكب اخر، ولم تصنع بايديها ما يحدث من مأساة، حتى سمحت بقتل من يريد من ابنائها التجاوب مع اي مبادرة لانقاذ المخيم، وكان اخرها اغتيال يحيى حوراني ابو صهيب. حركة حماس التي كانت وحيدة تغرد بعيدا عن الفصائل ال14 والحراك الشعبي والمجتمع المدني وجهودهم لانقاذ ما تبقى من المخيم.

ان يصل الاستخفاف بعقول الناس، ان يطلق خالد مشعل، صرخ لانقاذ مخيم اليرموك، من الدوحة عاصمة قطر، وقطر الممول الرئيس والاساس لجبهة النصرة التي تفتك بالمخيم واهله، كم كان اجدر به، ان يهمس فقط في اذن تميمه الامير، ان من في اليرموك هم شعبنا، وان يناشد اردوغانه بخصوص دواعشه، ايها السادة لم نعد في موقع المراهقة السياسة مثلكم. ان عقولنا اكبر من كل خياناتكم وخداعكم ودوركم المأجور.

لا الموقف الرسمي استثمر علاقاته العربية والاقليمية والدولية، ولا حماس غلبت المصلحة الوطنية على دورها التابع للتنظيم الدولي. فكي كماشة تمارس الخناق على شعبنا اللاجئ كل باسلوبه، لكننا كلنا امل ان شعبنا سينهض كالفينيق من تحت الرماد، ونتمنى ان لا يستطيعوا ان يرموا يرموكنا بسهامهم.

كاتب فلسطيني:

الآراء المطروحة تعبر عن رأي كاتبها وليس بالضرورة أنها تعبر عن الموقف الرسمي لموقع " ريال ميديا "