نيسان الفلسطيني العربي شهر النضال والعطاء والتضحية
تاريخ النشر : 2015-04-03 23:53

عباس الجمعه:

نيسان شهر النضال والعطاء والتضحية ، في نيسان نبتت تربة النضال فكانت جبهة التحرير الفلسطينية العنوان ، واشتد عودها بفضل التضحيات الجسام ، نيسان  شهر المقاومة ، شهر الشهداء الرموز والعناوين الخالدة في سفر النضال الفلسطيني والعربي، شهداء تركوا بصماتهم واضحة وعميقة على مسيرة الكفاح والنضال الوطني الفلسطيني،حفروا تاريخهم وسجلهم وخلودهم في عمق ذاكرة شعبنا وامتنا ، وكتبوا رسالتهم بأحرف من نار ودم،قدموا أرواحهم شهداء على مذبح الحرية، ولكن بقيت الذكرى والفعل والعمل والسيرة والمسيرة تحفظها الأجيال المتعاقبة من شعبنا وامتنا.ففي شهر نيسان نستذكر أرواح قادة كبار سقطوا بفعل الإرهاب الصهيوني ليشهد هذا الشهر على نازية وفاشية الكيان العنصري الذي قام على أنقاذ فلسطين قبل 66 عاماً. في هذا الشهر نستذكر أرواح القادة الشهداء عبد القادر الحسيني، كمال عدوان، أبو يوسف النجار، كمال ناصر، خليل الوزير "أبو جهاد" مهندس الانتفاضة الأولى- انتفاضة الحجر-،وهو الذي كرس حياته لقضية الشعب الفلسطيني والنضال في سبيل حريته ، والمئات غيرهم من القادة والكوادر والمناضلين الفلسطينيين، في هذا الشهر نستذكر كل شهداء فلسطين والوطن العربي من المحيط إلى الخليج الذين قضوا بفعل الإرهاب الصهيوني والاستكبار الأميركي.

 نقف في شهر نيسان امام مناسبات وذكريات اليمة ومجيدة ، فهو شهر دير ياسين ، وشهر قانا ، وشهر جبهة التحرير الفلسطينية ويومها الوطني ، وشهر العمليات البطولية لجبهة التحرير الفلسطينية في الخالصة ونهاريا والقدس الاستشهادية التي قادتها البطلة عندليب طقاطقة ، هو شهر تدوين الصفحات تلو الصفحات من السيرة الذاتية الأسطورية لشهداء جبهة التحرير وفلسطين الذين قدموا حياتهم  في مواجهة الإرهاب الإجرامي وكل شهداء نيسان وكل شهداء شعبنا وامتنا الذين لا يمكن في هذا المجال استعراض اسمائهم وتضحياتهم ، ونؤكد ان الشعب الفلسطيني انجب رموزا من قيادات وكوارد العمل الوطني وفي مقدمتهم امير الشهداء ابو جهاد الوزيروكمال عدوان وكمال ناصر وابو يوسف النجار وقادة الجبهة وعلى رأسهم فارس فلسطين الرمز ابو العباس والقادة طلعت يعقوب وعمر شبلي " ابو احمد حلب " وسعيد اليوسف وابو العز وحفظي قاسم وابو العمرين وجهاد حمو ومروان باكير وكل القادة والمناضلين الشهداء ، هو شعب نابض بالحياة مصر على امتزاج حريته وحقوقه واقامة دولته على ترابه الوطني .

 فنيسان كان رمزا وعنوانا في قلب الحدث وأن ينتفض على واقع الهزيمة والإحباط والنكبة ،وليؤكد  ان الإنسان العربي مواصلة مسيرته  دفاعه عن الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، ليس في فلسطين فحسب بل في كل أرجاء الوطن العربي، فالإنسان العربي معني بالدفاع عن وجوده وكيانه وإنسانيته وثقافته وتراثه الوطني، والوقوف بوجه الهيمنة والأطماع الأمريكية الصهيونية في المنطقة العربية، يؤكد بنضاله على العمق العربي كحاضن للقضية الفلسطينية، بكل هذا العمق العربي والحضاري، لابد إلا وأن يكون فالشعب العربي وشعب فلسطين هم، شعب الحياة، مهما بدت الأمور صعبة وقاسية في هذه الأيام، فالأمة العربية ليست مجرد قبائل متناحرة، أو أمة ولدت على هامش التاريخ، وإنما أمة كان لها مأثرة في قيادة العالم على مدار قرون متتالية، أمة عريقة ذات تراث ومنجزات إنسانية غطت كافة مجالات حقول العلم بلا استثناء، أمة عاشت قمة الازدهار في الوقت الذي كانت تغرق أوروبا فيه في ظلمات العصور الوسطى، أمة امتدت ثقافتها وتأثيرها في العالم أجمع، ولم يكن ذلك ليكون لولا امتلاكها مقومات هذا الدور. وهي بما تختزنه من إمكانيات بشرية واقتصادية واستراتيجية إنما هي مجبرة على مواجهة المخططات التي تستهدف وجودها اتصالا بتطلعاتها المستقبلية.

ان شعب فلسطين بما يمثل من حقيقة ديموغرافية وتطلعات تحررية وعدالة قضية وبما له من عمق حضاري وإنساني، ومن تجارب وتراث نضالي وتضحيات، لا يمكن إلا أن ينهض من جديد... هذه هي دروس ثورات العشرينات، والثلاثينات والأربعينات وصولاً إلى انطلاق الثورة الفلسطينية المعاصرة التي توجت بانتفاضات شعبية عارمة ومقاومة شعبيه متواصلة نقشت صفحاتها في سفر التاريخ، دون تزييف أو تزوير. فهل من فارق أو تباين يذكر بين السياسي والإعلامي والمقاتل، طالما أنهم معرضون للشهادة والاستشهاد في كل لحظة وطالما أنهم يحملون نفس الرسالة.

 شهر نيسان لهذا العام نعيش كعادتنا أيامه بكل ما تتطلب من مستلزمات الحيطة والحذر لما لها وما عليها من مخاطر وتبعات محتملة، ونجد أنفسنا مندفعين تلقائياً ومن باب الوفاء لإنعاش ذاكرتنا واستذكار تلك المجازر والمذابح وجرائم الاغتيال التي دفع فيها الشعب الفلسطيني من دمه الذكي الكثير من أجل قضيته المقدسة، جراء صنوف وأنواع الإرهاب "الإسرائيلي" الذي مورس بحقه.

 ان استشهاد القادة الرموز الكبار في مسيرة النضال الفلسطيني لا يقلل أبداً من شأن وقيمة الشهداء الأبرار الآخرين، فكلهم شهداء القضية المركزية، من أصغر طفل رضيع وامرأة وشيخ مسن حتى أكبر قائد فلسطيني، وكلهم تتمزق قلوبنا ألماً وحسرةً لفراقهم، فقوافل سبقت وأخرى تنتظر والعطاء مستمر.

حصاد "نيسان" يعقبه حصاد بعد حصاد ، ومسلسل الحصاد مستمر، فالإرهاب "الإسرائيلي" بشتى صوره وأشكاله متواصل، والعطاء الفلسطيني من أجل الأرض والإنسان متواصل هو الآخر، ولنا في كل يومٍ شهيد بل شهداء، "وموسوعة الشهادة والاستشهاد" تبقى مشرعة الأبواب إلى أن يتحقق حلم الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس. لقد مثل شهر نيسان بالنسبة لجبهة التحرير الفلسطينية رافداً نوعياً ورافعة قوية في تاريخ النضال الوطني للشعب الفلسطيني، حيث عملت منذ انطلاقتها على رفع شعار الكفاح المسلح واستعملت وسائل المقاومة بأشكالها كافة وكان الهدف منها رفع صوت فلسطين عالياً وإسماع العالم قاطبة بهذه القضية العادلة وكان لها ذلك، وما زالت حريصة على رص صفوف شعبنا ووحدته الوطنية، فقد كانت العقبة كأداء في وجه كل من يحاول تمزيق أو تفريق هذا الشعب، متمسكة بالثوابت الفلسطينية وحقوق شعبنا المشروعة وخاصة حقه في العودة وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس.. كما تعمل جاهدة دون كلل على إعادة تفعيل وتطوير منظمة التحرير الفلسطينية الهوية والكيان للشعب الفلسطيني. وامام الهجمة العدوانية الصهيونية المتواصلة عبر سياسة الاستيطان وتهويد الارض بقوة البطش والإرهاب والنزعة التوسعية الإستيطانية ومسلسل العقاب الجماعي من خلال العدوان والاعتقال وممارسة كافة انواع التعذيب بحق الاسرى الابطال الذين يطالبون بتطبيق القانون الدولي واتفاقية جنيف وكافة المعاهدات والمواثيق التي أقرتها الشرعية الدولية المتمثلة بمنظمة الأمم المتحدة والمؤسسات المنبثقة على مرأى ومسمع العالم ، ولكن نقول ان سهم النضال سيبقى دائما باتجاه فلسطين دوما والى الابد مهما كانت التضحيات .

ومن هذا المنطلق نؤكد في نيسان الفلسطيني العربي على اهمية خوض عملية نضالية وكفاحية شاملة مستمرة ، جوهرها التمسك بالمقاومة بكافة اشكالها ، فالنضال حق مشروع اقرته المواثيق الدولية ، وهو بكل تأكيد يحتاج إلى قوى ثورية تتمسك بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني وعلى رأسها حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة وحق تقرير المصير، ويظل حق العودة هو ( جوهر ) القضية الوطنية والجسر الواصل لحق شعبنا في تقرير مصيره فوق ترابه الوطني وإنهاء الصراع بالمعنى التاريخي لصالح شعبنا وأمتنا ولصالح العدالة والسلام الحقيقي في فلسطين.

 ان الصراع مع الكيان العنصري الاسرائيلي هو التجسيد السياسي والمادي والعملي للمشروع الكولونيالي الاستيطاني في فلسطين والمنطقة، فهذا المشروع الدموي والذي تقف خلفه وتسانده قوى متعددة، وخاصة الادارة الأمريكية في هذه الحقبة التاريخية والسياسية الراهنة من عمر الصراع العربي الصهيوني، فالصراع بحاجة الى إرادة الصمود مهما امتلأت جدران الزنازين بعذابات الاسرى التي تمتزج مع آهات وآلام شعبنا.. فالألم واحد، والأمل واحد.. وما الهدف إلا الحرية والاستقلال والعودة واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس على أرض فلسطين.

وفي هذه اللحظة السياسية الراهنة، ورغم كل ما جرى ويجري، لا بد من العمل على تعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية والحفاظ على الكيانية الفلسطينية كما نفهمها، وذلك من خلال حماية منظمة التحرير الفلسطينية ومشروعها الوطني في مواجهة المخطط الصهيوني.

أن موقفنا هذا ليس مجرد كلمات وشعارات وإنما هو موقف يتناغم مع الرؤية الوطنيه تجاه استمرار الاشتباك التاريخي في مواجهة الاحتلال ومشاريعه السياسية، ولكي نخوض هذا الصراع بطريقة صحيحة وبدون إضاعة الاتجاه، يتعين علينا الانطلاق من رؤية صريحة بصياغة الرؤية السياسية الموحدة دفاعا عن الوطن، وحق اللاجئين في العودة إلى ديارهم ومنازلهم التي اقتلعوا منها.

ختاما : في نيسان نقول التحية لكافة الاسرى والمعتقلين والاسيرات ، ولعائلات الشهداء، و للجرحى، لكل من ضحى وقدم من أجل القضية، لأن تضحياتهم لا يمكن أن تذهب هدراً، وأن الأهداف العادلة والحقوق المشروعة التي ناضلوا وقدموا من أجلها ستتحقق طال الزمن أم قصر، لأننا ما زلنا في مرحلة التحرر الوطني وفي معسكر العدالة والتقدم، المعسكر الذي ستتحقق أهدافه العادلة وسينال حقوقه المشروعة حتما، هذه هي دروس التاريخ والواقع.

كاتب فلسطيني:

الآراء المطروحة تعبر عن رأي كاتبها وليس بالضرورة أنها تعبر عن الموقف الرسمي لموقع " ريال ميديا "