الفنانة التشكيلية سكيك: الفن هو ان تجد مخرجا جديدا لذاكرتك
تاريخ النشر : 2015-01-05 14:36

غزة – " ريال ميديا " - أشرف سحويل: 

تهاني سكيك واحدة من أهم الفانيين التشكيليين الفلسطينيين ،بدأت مشوارها الفني في الكويت في منتصف السبعينيات من القرن الماضي،وشقت طريقها بصبر ودآب حتى لمع اسمها في داخل الوطن وخارجه من خلال مشاركتها في العديد من المعارض الفنية الرسم بالنسبة لها نتاج لعدة مواقف وأحداث ومجريات يختزلها عالم الفنان . ترسم بألوان الزيت و الباستيل وتضفي على العمل خامات إضافية تعشق البحر والأرض ولذلك ترى في أعمالها حيز دائم للأزرق واللازوردي والبني والأحمر وهي الان تلملم أوراقها لتعود بعرض جديد في عالم التكعيبية التي انتهت بها ولكنها التكعيبية الجميلة وليست التكعيبية الوحشية و تهاني أم وزوجة لم تقف الأمومة و واجبات الزوجية عائقاً في طريقها وتأكد أن أساس نجاح الفنان هو تفهم المحيطين من أهل البيت بطبيعة عمله، وهو ما وفره لها الزوج والأبناء.

كان لنا لقاء مع الفنانة سكيك في غزة وهذه المقابلة.

-لماذا ترسمين ؟ و متى بدأ مشوارك الفني؟


أرسم لوطني لذاتي لوجودي لتاريخي و تراثي و قضيتي..أرسم لحريتي لآمالي لفرحي وحزني ولإشراقه شمس الوطن.... بدأت مشواري مع الرسم منذ نعومة أظافري فلم تكن تخلو كتب الدراسة و كراساتها من خطوط وخربشات كونت أشكالاً بشرّت بحياة فنية و مشوار فني طويل...

-من أين تبدأين في رسم اللوحة ؟


يبدأ العمل الفني من حيث ينتهي العمق الآدمي، فالعمل يكون نتاجاً لعدة مواقف وأحداث و مجريات تحدث في عالم الفنان،أوهوعبارة عن مخزون من الثقافات المتراكمة تختزل بذات الفنان وتُؤثر بذاته و بأعماله، وعند ولادة أي عمل فني يُسقط الفنان نفسه داخل نفسه ليبحث في ذلك العمق المخزون ويخرج بنتاج خطوط تبدأ بالانطلاق لتكّون ّموضوع قابل للتعديل و التغيير حتى ترضى وترتاح له النفس...

-أية تقنيات ترتاحين لها وهل الخامات فقط الرسم بألوان الزيت وهل تتعاملين مع اللوحة فقط أم أن هناك أنواعاً أخرى؟


بالنسبة للألوان المفضلة لدي فأنا أرسم بألوان الزيت والباستيل و إذا احتاج العمل لإضافات ( خامات إضافية) أستعملها هذا إضافة إلى ألوان القماش و ألوان الأكريليك كما و أتمتع بالرسم بالفحم و أقلام (H.B ) فلها إخراجات رائعة.

-ماعلاقة ألوانك بالبيئة المحيطة بك؟


المعروف دائماً أن الفنان ابن بيئته و مجتمعه، فالفنان يتأثر و يقيس ألوانه من محيطه حيث أنها تكون حاضرة في أعماله كالحاصل معي أنا ، فالألوان دائماً مائلة إلى الأزرق، وتنتمي إلى بحر غزة بروعته و إلى البنيات و التي تنتهي بالأحمر نسبة إلي طين الوطن و أصالته و عراقته.

-ما علاقتك مع اللوحة و الريشة و الألوان و كيف بدأت؟


علاقتي بالريشة و اللوحة وطيدة فهي وحدتي وسهري عندما أكون سعيدة أسعد بها و عندما أكون غير ذلك تكون هي متعتي وملاذي في وحدتي و سهري...ثائرة ...هادئة ..هي مهبط سكوني.. وبدأت العمل بها، و معها منذ أيام دراستي في المرحلة الإعدادية( المتوسطة ) أول أعمالي بالريشة و اللوحة حيث بمحاولات و تكوينات إلى أن إنتهيت بأعمال تُقرأ  و تحلل حتى وصلت إلى التميز و الشهرة ....

-ماهي المراحل التي مرت بها مسيرتك الفنية؟


أعتبر أن مسيرتي بدأت بعد تخرجي عندما سافرت إلى دولة الكويت عام 1976م من القرن الماضي حيث عملت في سلك التدريس (مدرسة)وكانت اهتماماتي بأعمال جداريات للمدارس و خلفيات للمسرح هناك، ثم بدأت بالتعرف على الفنانين الموجودين بالساحة الفنية هناك وكنت كثيرة التردد على المعارض الفنية التي كانت الساحة ثرية جداً بها و تعرفت على مجموعة كبيرة من الفنانين الفلسطينيين و غيرهم أمثال الراحل إسماعيل شموط ومجموعة عائلته من الفنانين و عبد الهادي شبلاق و جمال غربية و صالح الملحي ورشيد ورشاد شبلاق و محمود أبو عسكر و غيرهم من مجموعة ضخمة من الفنانين العظماء ...تلقيت مجموعة دورات فنية مكثفة استمرت حوالي خمس سنوات كان نتاجها أول عرض لي مع فنانين كبار في المتحف الوطني لدولة الكويت حيث كان العرض عن موضوع الانتفاضة الفلسطينية الأولى وكانت سعادتي بالغة و أنا أقرأ ما كتبه عني الإعلاميون و النقاد بالإشادة و المدح وكانت الإنطلاقة في مشاركات مكثفة داخل الكويت في أرض المعارض الدولية وقاعات العرض المتعددة و الكثيرة جداً هناك و التي شجعت على عمل دؤوب ثم الإنطلاق بعدها للمشاركة خارج دولة الكويت في معارض خارجية عالمية عربية وغربية وصارت بعدها خطاى ّسريعة وثابته و أعمالي صارت لها شخصية منفردة ،ولها بصمتي الخاصة بها.. بعدها كانت حرب الخليج عام 1990وكانت الهزة الإجتماعية عنيفة أخرجتنا من موقعنا في الكويت إلى فلسطين حيث كانت محطة الإستقرار و الغربة في الوطن في آن واحد فليس من السهل علينا أن نتأقلم بسهولة و لكن رغم ذلك كانت عطاءاتي عالية فمن قلب القهر يولد الإبداع بدأت بعدها بلملمة نفسي و وقفت مرة أخرى أمام أعمالي و أقمت معرضي الشخصي الأول في رام الله عام 1993م و بعدها معرضي الشخصي الثاني في جمعية الشبان المسيحية بغزة 1994 ثم المعرض الشخصي الثالث 1996 بمركز رشاد الشوا الثقافي بغزة ثم المعرض الشخصي الرابع في قاعة بنك فلسطين عام 2000 ثم المعرض الخامس بقاعة جاليري الميناء بغزة 2004م ثم العرض السادس بمركز إعلام و معلومات المرأة في عام 2004م.إضافة إلي مشاركات عدة في جميع أنحاء الوطن و الخارج بعد العودة للوطن.

-يلاحظ ميلك إلى الواقعية الانطباعية في أعمالك الزيتية فما هي المدرسة التي تنتمين إليها؟


بالنسبة للمدرسة التي انتمي إليها في أعمالي فقد بدأت بالتعبيرية الواقعية الإنطباعية ثم تدرجت إلى التكعبية الجميلة و ليست التكعبية الوحشية ثم بدأت بالتجريد مع المحافظة على قدرة المتلقي على قراءة العمل و الشعور بما أريد توصيله إليه.

-هل بالإمكان الملاحظة في لوحاتك أو بعضها شغف بأحد الرسامين،وماذا يعني لك هذا الرسام؟


لاشك أن الأستاذ دائماً يؤثر في تلاميذه فبدايات أعمالي تأثرت بالأستاذ الكبير جمال غربيه والذي عاش معنا بالكويت وكانت له يد داعمة في مسيرتي و لكن لا بد للفنان أن يجد طريقه في تحديد شخصيته و بصمته و التي تطبع على عمله لتنادي باسمه من خلال قراءة الشخصية فأنا الان ـ الحمد لله ـ منذ فترة قديمة جداً أصبحت لي شخصيتي المسؤولة و المنفردة و التي تحمل بصمتي الخاصة.

-أقمتِ في الكويت و شاركت في معارض عدة إلي أي حد خدمك السفر و الترحال في مسيرتك الفنية؟


عندما كنت في الكويت كان المخاض وكانت الإنطلاقة فالساحة الكويتية ثرية جداً بالمعارض سواء المقامة على أرض الكويت أو خارجها أو المستقدمة من الخارج... كانت المشاركات يسيرة والحركة الفنية خارج الكويت عن طريق رابطة الفنانين التشكيليين و التي تنتمي إلى الاتحاد العام للفنانيين التشكيليين الفلسطينيين و التي كنت أنا عضوه فيه فقد دعم ذلك مسيرتي الفنية وقوّى مشاركاتي كلها هناك.

-ما هو أهم معرض شاركت به من وجهة نظرك؟ولماذا؟


كل المعارض بالنسبة لي مهمة و على الفنان أن يختار أن يظهر في أحسن مظهر بالنسبة لأعماله و يحافظ على مستواه في جميع العروض، أما أهم معرض شاركت فيه هو المعرض الذي أقيم في المتحف الوطني الكويتي و الذي أقيم في العام 1987م وكان المعرض يحمل موضوع انتفاضة فلسطين واحتوى مجموعة ضخمة من الفنانيين الفلسطينيين وكان المعرض يحمل معاني ثورية و نضالية تراثية تعرض قضية و معاناة شعب يذبح فكان الإقبال الجماهيري عالياً جداً، وقد كانت فرحة كبيرة عندما قرأت بالصحف تعليقات تفصيلية عن المعرض حيث كان بها إشادة بأعمالي فقد كان المكان و الزمان و الموضوع و الحضور والمشاركين مؤثر بالنسبة لي لهذا كان المعرض بالنسبة لي فرحة و نصر...


كذلك المعرض الشخصي الأول كان له أثره العميق في نفسي و الذي أقيم في رام الله في جاليري79 في عام 1993 بعد عودتي من المهجر كان إستعدادي للقيام بمعرض شخصي قد تم وحصلت على تصريح إسرائيلي لدخول رام الله بصعوبة بالغة و بعد 3 أيام كاملة من التحقيق مع الإسرائيليين لقيام العرض في غزة و أيضاً رام الله حيث أن موافقة الإسرائيليين كانت مشروطة بعدم قيام أي مظهر يخل بالنظام و الأمن لديهم و كان المعرض مراقباً من قبلهم ،و يوم الإفتتاح كان الفنان المرحوم عصام بدر و القائم على أنشطة الجاليري قد دعا السفارات و القنصليات الموجودة بالقدس و أساتذة الجامعات في بيرزيت و النجاح وصفوة من المهتمين بالفن التشكيلي فقد شعرت بحرارة و دفء الأهل وحب الوطن و أنا بين أبناء وطني رغم وجودي هناك وحدى دون أي مرافق من أهلي كانت سعادتي غامرة و نجح المعرض نجاحاً باهراً و كان المردود الإنساني و المالي عالياً جداً على الرغم من عدم سماح الإسرائيليين لي بالإقامة إلا لليلة واحد هناك و هي ليلة الإفتتاح وعلىّ المغادرة في الصباح الباكر إلى غزة.

-كأم كيف توفقين بين بيتك و تعاطيك مع الفن و كيف ينظر أبناؤك و زوجك لذلك ؟


للفنان أن يجد الجوالمناسب لأعماله لذلك فأساس نجاح الفنان أن يكون هناك تفهم من أهل البيت و المحيط لطبيعة عمله و طبيعتة كفنان و بالنسبة لي فقد كان زوجي دائماً اليد الداعمة لي في شق طريقي و تشجيعي والوقوف إلى جانبي فهو وأبنائي أصبحوا يملكون عيوناً مدربة فنياً متذوقة و مميزة للأجمل و للأقل جمالاً و ذلك من تكرار رؤيتهم للأعمال من وقت إنشائها حتى وصولها إلى النهاية .. فالجو المنزلي ضروري جداً إذا كان متفهماً لدفع عجلة الفنان لتقدمه و تطوره بشرط أن أكون أنا كذلك إيجابية معهم غير مقصرة في واجباتهم و متطلباتهم و هدوء منزلهم.

-ماذا تعني القضية الفلسطينية لك في الفن؟


سيطرت القضية الفلسطينية على جُل أعمالي فمنذ دخولي الساحة الفنية كمحترفة دخلت بمشاركة في معرض ضخم في المتحف الوطني الكويتي يتحدث عن الإنتفاضة فلوحات تصرخ و أخرى تتوعد و أخرى توشى بحلم و مجموعة تتحدث عن ثوابت و روابط تراثية تنتمي إلى أصول وجذور تُرد إلى أزمنة متعاقبة تحمل هوية تنتمي إلى وطن أصيل ينطق بالفلسطينية ... ظلت أعمالي كلها تتحدث عن موضوع النضال الفلسطيني حتى بعد عودتي إلى وطني و لكن عند إنطلاق إنتفاضة الأقصى كثر الدم بصوره واضحة جلية وكثرت الجنازات التى لا تخلو ساعات النهار كلها منها فما من حى و لا شارع إلا به بيت للعزاء أو جريح ينذر بعاهة مستديمة أجواء قاتمة جارحة ننام ونصحو على إطلاق النار و القتل و الدم فسألت نفسي أين نحن من العالم لماذا يتمتع غيري بحقه في الحياة في حين أحرم أنا من ذلك !!! أليس له أن يحلم و يفكر و يتأمل ويحب ؟؟ كرهت الدم ورؤية بيوت العزاء وأصوات الرصاص وحلمت ملياً بأن تكون حياتنا مليئة بالأمل والحب و لإستقرار و التفاؤل وبدت أمانيّ وأحلامي تنطبع على أعمالي والتي تتحدث عن ذلك الأمل للوطن والحب للوطن وللجذور.

-ماذا تعني لك الذاكرة في الفن؟


الذاكرة هي كل ما يختزنه العقل من أحداث مؤثرة ودراسات ثقافية وتراثية و معلومات عامة ذات تأثير عالي جميعها تحفظ في الذاكرة وتخرج وتظهر في لحظات ميلاد العمل الفني الذي يغوص في أعماق هذه الذاكرة إلى أن يجد مخرجاً لها فنبدأ في تشكيل الخطوط التي تنتمي إلى موضوع معين وتظل هذه الخطوط في مجال التغيير والتبديل حتى ترتاح لها نفس الفنان ومن ثم الجمهور المثالي.

-بعد كل هذه التجربة هل ستواصلين التفرغ من أجل موضوعك الإبداعي؟


العمل بالفن يمثل بالنسبة لي نبض حياة و إثبات وجود فأنا عندما أملّ أرسم و عندما أقلق أرسم و عندما أفرح ارسم و عند شعوري بالقهر أرسم صحيح أن ضغوطات الحياة تبعدني أحياناً و لكن لفترات و لكن لا بد من العودة فهي المستقر و الملاذ طالما فيّ طاقة تستطيع أن تدفعني للعطاء سأعطي من أجل الإبداع و من أجل الوطن و الذات...

-ما دور المؤسسة التشكيلية الرسمية في مشوارك الفني؟


أنا أعمل مدير دائرة في وزارة الثقافة الفلسطينية بغزة في هذا الوطن المحتل و المقطع الأوصال حيث هناك عقبات كبيرة في حرية الحركة و التنقل بين محافظات و أركان الوطن و بيننا و بين العالم الخارجي العربي و الدولي حيث الحواجز الإسرائيلية الكثيرة جداً و المتشددة جداً و التي تخنق المواطن و تمنع أي نشاط و أي تواصل على الصعيد المحلي في الداخل كذلك الحال بالنسبة للمعابر الحدودية في حدود غزة مع مصر ولذلك تظل إشكالية إغلاق المعبر هي المعضلة بالنسبة لي وجدت مواقف كثيرة مع موظفين متعددين حيث تكون هناك مشاركات لهم في مواقع متعددة غير أن إغلاق المعبر يحول دون الوصول إلى هناك بالتالي تقف الوزارة عاجزة أمام ذلك.


أما على الصعيد المحلي فعندنا بالوزارة موقع للعرض ( جاليري الميناء ) حيث نقيم به العروض و ورشات العمل وتعمل الوزارة على التواصل مع المؤسسات الاخرى بالعروض و ينتقل العرض بقدر ما هو متاح وآمل أن يأتي اليوم الذي تخرج فيه من هذا الطوق الخانق و نشعر أن الحواجز حطمت و ننطلق كما هو باقي العالم المتحرر من الأسر...

-ماهو الجديد في حياتك الفنية ؟


بعد فترة من الركود حيث الضغط النفسي من الأوضاع الخانقة والمحزنة في الوطن ألملم أوراقي لأقف من جديد وأنا الآن أعمل بجد للوقوف في نهاية المطاف بعرض جديد أتمنى أن تتاح له الفرصة للتنقل داخل هذا المجتمع المحلي وخارجه لأشعر أنني تحررت من قيود تقطع أوصالنا كما هو حال الوطن فلولا الأمل لما كان أصلاً حياة.