"البطل" الذي انتصر بالضربة القاضية على إسرائيل
تاريخ النشر : 2015-03-22 09:15

:حسين حجازي

في ثقافتنا الشعبية نردد اللازمة السيكولوجية التي تقترن بوقوع المصائب او لدى حدوث أي مكروه أو إذا عاكستنا الظروف والوقائع «لعله خير». وهو رد فعل مستمد من تعاليمنا الإسلامية وقرآننا الكريم، حيث يدعونا الله أن نخلد في مثل هذه الأحوال الى الهدوء والسكينة وعدم اللجوء الى اللطم والندب والعويل، لأنه عسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم. وفي مكان آخر على لسان سيدنا يعقوب «صبر جميل والله المستعان»، وهي الآية التي رددها ياسر عرفات في أول ظهور إعلامي له بعد إحكام شارون محاصرته في المقاطعة.

والواقع لقد كرهنا بنيامين نتنياهو وكرهه العالم قاطبة ورغبنا وتمنينا ان لا ينجح في الانتخابات، وقمنا كما قام العالم بتشييع جنازته حتى قبل إجراء الانتخابات، لكنه، مخالفاً كل توقعاتنا، لم يسقط وعاد يُطل علينا مُخرجاً لسانه لنا، ولباراك أوباما والاتحاد الأوربي وإيران، وكان في ذلك كمن يهزأ بنا ويتحدانا ويتحدى العالم كما مؤسسات سبر الرأي العام والاستطلاعات وجيش من المحللين في الصحف الإسرائيلية نفسها التي ناصبته العداء كما صحفنا الفلسطينية والعالمية. نحن اذن فشلنا في توقع حدوث الانقلاب الرابيني الثاني، وجيش المستوطنين من رجح كفة الميزان، وليس القرار الدولي الخارجي في البيت الأبيض.

وإذا كان من صلب عملنا هنا أن نبين لكم حتى لو خالفتنا الظروف والوقائع، في جزئها الإلهي لماذا تبدو حظوظ نتنياهو في العودة الى الحكم مجدداً أشبه بالمعجزة، فان جزءاً من صلب مهمتنا ان نعاود الكرة لنبين لكم من المقلب الآخر لماذا لا يبدو هذا الأمر كارثياً أو شراً بالمطلق، وكيف انه كان دوما في التاريخ يولد او ينبثق الخير غالباً من الشر.

 وهاكم جردة حساب أولية مع النتائج التي أفضت اليها هذه الانتخابات في إسرائيل، في ظل المعطيات او الظروف السياسية المحيطة بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والبيئة الاستراتيجية لهذا النزاع:

1- لقد أملنا دون أن نعلن ذلك أو نصرح به بانتصار إسحاق هيرتسوغ وشريكته تسفي ليفني، باعتبار أن هذا التحالف لما يمكن أن يسمى باليسار الإسرائيلي يمكن ان يمثل الجانب العقلاني داخل الطبقة السياسية في إسرائيل، يوقف التمدد اليميني الذي بدا في السنوات الماضية كاسحاً. لكن بيننا وبين انفسنا فإنه وفي قرارة وعينا وهواجسنا الدفينة المترسبة من تجاربنا المريرة السابقة، لم يكن لدينا وهم ان انتصار حزب العمل يمكن ان يحقق المعجزة والخلاص. ربما كان موقفنا يصدر عن رغبة خلاصية مؤقتة او تكتيكية، تكون بمثابة استراحة او تهدئة تكسر حدة الضغط، الهائل الذي ظل يمارسه اليمين الحاكم ضد غزة والقدس وضد السلطة وفلسطينيي العام 1948. لكن الحقيقة اليوم، او ما يبدو واضحا انه مقابل ذلك أي خفض وتيرة التوتر، فان هذا التحالف كان ليخرج إسرائيل من عزلتها والحصار السياسي المفروض عليها وكبح جماح الاندفاعة الأوربية والأميركية، التي بدأت في التبلور خلال الفترة الأخيرة من حكم نتنياهو، دون ان نملك يقيناً من ان هذا الثنائي يملك الإرادة او القدرة على تحقيق الاختراق الكبير. «ان الجني الذي نعرفه هنا افضل من الجني الذي لا نعرفه» كما يقول المثل المغربي.

2- واستناداً الى ذلك فان بنيامين نتنياهو يكون المنتصر لكن اليسار بالمقابل لم ينهزم، فيما المنهزم الحقيقي هي الأحزاب اليمينية الأشد تطرفاً، وان هذه المعادلة ربما لا تطرح أمام نتنياهو سوى خيار واحد، هو الذهاب الى حكومة يمينية ضيقة تعزله وتعزل إسرائيل طالما ان النتائج التي حققها اليسار تفتح شهيته الآن لمواصلة المعركة من نقطة توازن افضل بالتحالف مع الأميركيين والأوربيين لتضييق الخناق على نتنياهو ومفاقمة مأزقه.

3- ولقد تبرع هذا الرجل في ذروة حملته الانتخابية في لحظة من الاستسلام الفظ لنزعة الغرور، بهديتين لا تقدران بثمن وسوف يدفع ثمنهما باهظاً منذ الآن. اما الهدية الأولى فهي كشفه المجاني عن حقيقة موقفه الباطني والصريح من رفض الدولة الفلسطينية، والتعهد بالعمل ضد أقامتها. والهدية الثانية أيضا كشفه المجاني عن كذبة الديمقراطية اليهودية، حين صرح عن عدائه الواضح بل والمخيف للمواطنين العرب، داخل إسرائيل والنظر اليهم كأعداء.

4- هل لهذه الأسباب إذن استقبلوا فوزه وعودته الى الحكم، ليس بهذا الفتور وحده وإنما الى الحد الذي يصل الى العدائية، بالتجرد حتى من أي دبلوماسية من لدن الإدارة الأميركية والغرب عموما. وان في هذا خير لنا ووبال قادم عليهم. وان ما يحدث هو إنه فاز في معركة انتخابية ضد شركائه ولكنه خسر العالم.

5- يبقى شيء واحد او سبب أخير لاعتبار نصره الذي صدم العالم كله خير كابتلاءات المؤمن، اذا كان الرجل الذي جرؤ على رمي القفاز في وجهنا والعالم، سوف يقوم الآن بتوحيدنا، والإلقاء بالقفاز خاصتنا في وجهه ليدبر اموره. لقد انتصر هذا الرجل ولكنه قرر ان يهزم إسرائيل، وهذه هي خلاصة الأمر.

6- لكن الدرس الذي نعاود التحقق منه وتعلمه في هذه الأزمة الدولية المتأخرة في هذا الشرق، والتي طرفها هذه المرة إسرائيل والامبراطورية نفسها والعالم من الجهة المقابلة، أن هذه الإرادة الدولية إذا ما أخفقت أو فشلت في التعبير عن إرادتها بوسائل الإكراه عبر التأثير على معادلات محلية وداخلية في البلد المستهدف، فإنها تلجأ بعد ذلك الى وسائل الإكراه عبر الضغوط الدبلوماسية القاسية من الخارج. وان هذا بالضبط عنوان المواجهة القادمة بين أوباما ونتنياهو، والذي عبرت عنه المحادثة الهاتفية ليلة الخميس الجمعة بين الرجلين والتي وصفت بالصعبة، وقام متحدثون باسم البيت الأبيض ووسائل إعلامية أميركية وإسرائيلية على حد سواء بالتلميح إلى بعض هذه الضغوط الدبلوماسية القاسية التي سوف يتخذها أوباما. فهل لهذا السبب قد نشهد تراجع نتنياهو لا عن أقواله الخرقاء والغبية في حملته الانتخابية والتنصل منها، كما فعل عبر مقابلات إعلامية مكثفة؟ وإنما اكثر من ذلك البحث عن خيار آخر في تشكيل الحكومة، إزاء الصدمة التي ربما يشعر بها الآن من حجم رد الفعل الأميركي والأوروبي على عودته إلى الحكم؟ إذا كان تشكيلُه لحكومة تقتصر على اليمين يفقده هامش المناورة السياسية ومن جهة أخرى لا يمكنها الصمود طويلا أمام العاصفة التي بدأت للتو الآن.

كاتب فلسطيني: