القضية الفلسطينية.. التحديات والمخاطر والفرص
تاريخ النشر : 2015-03-22 00:01

صالح زيدان*

عام صعب جسد نهاية مرحلة سياسية، بعد وصول المفاوضات إلى طريق مسدود بفعل التعنت الإسرائيلي المدعوم أمريكياً، وبعد العدوان الهمجي الإسرائيلي على غزة وما رافقه من دمار وجرائم حرب، وارتفاع عالٍ في وتائر الاستيطان والتهويد ومصادرة الأراضي بالتلازم مع تحلل إسرائيل من التزامات الاتفاقيات الفلسطينية الإسرائيلية.

ويأتي بعد انعقاد المجلس المركزي وقراراته التي حظيت بترحيب وطني شامل، والتي يفتح تطبيقها الطريق لمرحلة جديدة من رؤية جديدة للعلاقة مع سلطات الاحتلال بتحمل مسؤولياته اتجاه شعبنا ووقف التنسيق الأمني مع الاحتلال ومقاطعة المنتجات الإسرائيلية ومواصلة التدويل والتوجه لمحكمة الجنايات الدولية والدعوة لتحقيق المصالحة وخطة وطنية لإنقاذ غزة وغيرها من القرارات والتي تؤسس لانتقال السلطة الفلسطينية ووظائفها من وكيل ثانوي للمصالح الأمنية الإسرائيلية إلى وضع جديد يحررها من قيود أوسلو التي أصبحت عبئاً ثقيلاً على الشعب الفلسطيني.

وانطلاقاً من أن العبرة في التنفيذ، يجب التنويه بداية أن قرارات المجلس المركزي ملزمة للجنة التنفيذية ورئيسها وللحكومة الفلسطينية والأجهزة الأمنية، كونها صادرة عن أعلى مرجعية وطنية فلسطينية وصاحبة الولاية في ظل عدم انعقاد المجلس الوطني وبالتالي فهي ليست مجرد توصيات كما يصدر من بعض الأوساط ، بل هي قرارات ملزمة عبرت عن إجماع وطني واستجابة لنبض الرأي العام الفلسطيني.

أما محاولة اختصار م.ت.ف. أو السلطة بمؤسسة الرئاسة، فهو موضع استغراب ومرفوض. وعلينا أن نتذكر بأن ما يجري من صعود لميول التطرف في المنطقة يعود في أحد جوانبه إلى تغييب الديمقراطية وحقوق المواطنة واختصار النظم السياسية بمؤسسات الرئاسة وحكم الفرد والتفرد. الأمر الذي حول تلك الدول إلى دول هشة ينخرها الفساد وتشكل ارض خصبة لمنظمات الإرهاب وإدخال المنطقة في حالة من الفوضى الهدامة.

إن تنفيذ قرارات المجلس المركزي يتطلب مكافحة الرهانات السياسية الخاطئة وعدم الانتظار. فنتائج الانتخابات الإسرائيلية والميل اليميني المتزايد للمجتمع الإسرائيلي تظهر عقم الرهان على استئناف أي عملية سياسية وفق الأسس المحددة فلسطينياً. وعلى حكم حماس في غزة أن يأخذ العبر من فشل البدائل والرهانات السابقة على التطورات الإقليمية ونتائجها وما سبقه من ألام لغزة على امتداد سنوات الانقسام الثمانية الماضية. فالنأي بالوضع الفلسطيني ينبغي أن يترسخ سواء عن الأزمات الداخلية للبلدان العربية أو عن الصراعات الإقليمية للأضرار البالغة للتدخل على الشعب الفلسطيني.

وفي هذا الصدد، ينبغي التأكيد أن الإجماع الوطني على رفض أي مخططات مشبوهة وخطرة لفصل غزة عن الضفة ينبغي أن يركز على إنهاء الانقسام المدمر والذي يعمق الفصل يوماً بعد يوم، ثم على إفشال المحاولات الخارجية المعادية والمشجعة للشقاق والانقسام.

كما أن ترجمة قرارات المجلس المركزي هي معركة سياسية عناوينها متعددة. وهي بغض النظر عن ردود الفعل الإسرائيلية باتت أولوية وطنية يتطلب رص الصفوف واستعادة وحدة النظام السياسي وفق اتفاقات المصالحة في القاهرة والدوحة والشاطئ.

ولكن بكل أسف وبدلاً من توفير الأجواء اللازمة لذلك، تشهد الساحة الفلسطينية تراشق إعلامي مخجل بين حركتي فتح وحماس واعتقالات واستدعاءات متبادلة ومنع للسفر مثلما حصل مع الأخت آمال حمد، وهو ما يدخل الحالة الفلسطينية في معركة لا تخدم سوى أصحاب المصالح الفئوية الضيقة في غزة ورام الله والمصممين على بقاء الانقسام وتأبيده خدمة لمصالحهم، كما تظهر ضعف الإرادة السياسية للطرفين.

المطلوب اليوم قبل الغد، هو وقف هذه الحملات الإعلامية المشينة المتبادلة وكل أشكال الاعتقالات والاستدعاءات في غزة والضفة، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين فوراً وتحريم الاعتقال السياسي ومنع السفر. كما إبعاد القضايا الخدماتية عن التجاذبات السياسية وإعلاء المصلحة الوطنية العليا فوق المصالح الفئوية لحركتي فتح وحماس، وامتلاك إرادة سياسية حقيقية للمصالحة، العمل على توفير آلية متطورة وبالشراكة الوطنية لمتابعة ما تم الاتفاق عليه بإعادة النظر بعمل اللجنة التنفيذية وآليات اتخاذ القرار فيها وتكريس صلاحياتها ومتابعتها لتنفيذ قرارات المجلس المركزي، والالتزام بانعقاده كل ثلاثة أشهر والحرص على تطوير دوره كمحطة رقابة ومراجعة لعمل اللجنة التنفيذية وتقييم لسياسات المنظمة بين دورتي انعقاد المجلس المركزي. وانعقاد الإطار المؤقت لـ م. ت.ف (هيئة تفعيل وتطوير م.ت.ف) في اجتماعات منتظمة وهو الآلية الأهم كونه يضم جميع القوى السياسية وذلك لدوره في متابعة القرارات والتوافق على البرنامج المشترك وحل القضايا المستعصية، وصولاً لانتخابات متزامنة رئاسية وتشريعية وللمجلس الوطني وفق التمثيل النسبي الكامل.

إن الإستراتيجية البديلة التي خرج بها المجلس المركزي تطرح كأولوية قصوى وغير قابلة للتأجيل الحلول المباشرة للمشكلات الكبرى التي يعاني منها القطاع الصامد جراء الحصار المستدام والعدوان الإسرائيلي الأخير ونتائجه المأساوية التي ما زالت معلقة دون حل، وبعد مضي اكثر من 8 أشهر على وقف عدوان حملة الجرف الصامد الإسرائيلية الهمجية. الأمر الذي يؤكد أهمية وضرورة تطبيق خارطة الطريق التي وضعها المجلس المركزي لإنقاذ غزة من جحيم الدمار والحصار وكوارث الأزمات المتزايدة وعلى جميع المستويات.

وهنا لا بد من التأكيد بأن لا صحة لشعار رغم تعثر المصالحة سنواصل الاعمار. وحتى لا يتكرر النموذج البائس لنتائج مؤتمر شرم الشيخ عام 2009 وبعد حرب غزة، حيث تبخرت 4.7 مليار دولار خصصت لاعمار غزة تحت ذريعة الانقسام. كما أن نموذج المقاومة المتألق وتضحيات شعبنا الهائلة  في حرب 2014 لم يتحول إلى انجازات وطنية هو مثال آخر على الخسائر الفادحة لشعبنا جراء الانقسام المدمر. فلا إعمار بدون إنهاء الانقسام، بل لا أفق وطني دون استعادة الوحدة الوطنية.

إن المقترح للخروج من مأزق الانقسام وطي صفحته السوداء بمتناول اليد ولكن ليس بالحل الثنائي الفاشل بين فتح وحماس وليس باتفاقات جديدة أو بمطالب المحاصصة أو رفع سقف المطالب من فتح وحماس، بل بتصعيد الضغط الشعبي والوطني عليهما وبهدف تنفيذ اتفاقات المصالحة.

إن معالجة المسائل المباشرة لقطاع غزة، تتطلب حضوراً مباشراً لحكومة التوافق الوطني واضطلاعها بكامل مسؤولياتها ومهما كانت الملاحظات على دورها او التعطيل المتعمد لأعمالها. وهنا ندعو الأخوة في حركة حماس لاستكمال الابتعاد عن الحكومة بالابتعاد عن الحكم والتعاطي الايجابي مع حكومة الوفاق والمقترحات لإزالة العقبات من أمامها.

وفي هذا السياق، المطلوب من الوفد الذي شكلته اللجنة التنفيذية لـ م.ت.ف مؤخراً وبعضوية جميع الفصائل بما فيه حركتي حماس والجهاد إلى الحضور فوراً إلى القطاع لحوار شامل يهدف لمساندة جهد الحكومة لإزالة العقبات من أمامها. وفي حال عدم حضور الوفد من رام الله ندعو جميع القوى والفصائل في غزة لحوار وطني شامل وتشكيل لجنة وطنية تضم وزراء والفصائل ومؤسسات المجتمع المدني لكسر الحصار وإعادة الاعمار وحل المشكلات المعيقة لعمل الحكومة من حل مشكلة الموظفين، وانطلاقاً من اتفاقيات المصالحة وخريطة الطريق السويسرية وغيرها واستلام حكومة التوافق للمعابر بصلاحيات كاملة وإعادة المفصولين وإنصاف ضحايا الانقسام من فئة 2005-2007 وسوى ذلك، واستيعاب ثلاثة ألاف عنصر من منتسبي الأجهزة الأمنية السابقة والقائمة في قطاع غزة، على أن يزداد العدد تدريجياً حتى إجراء الانتخابات التشريعية.

وعلى حكومة التوافق الوطني معالجة شاملة لأزمات غزة وإخراجها من جحيم الدمار والحصار بالاعتماد الفوري لمخصصات أسر شهداء وجرحى الحروب الثلاثة ووضع خطة تنموية شاملة لمعالجة مشكلات الفقر والبطالة وخاصة بطالة الخريجين والشباب، وتخفيض كلفة التعليم ووقف التدهور في البنية التحتية والتعليم والصحة والشؤون الاجتماعية ومعالجة جادة لمشكلة انقطاع التيار الكهربائي وسوى ذلك.

وانطلاقاً من عدم التدخل والحرص على أمن مصر، يجب العمل على إجراء حوار فلسطيني مصري لتشغيل معبر رفح بشكل كامل وتطوير وظائفه وتحويل الشريط الفاصل بين سيناء وغزة إلى شريط تعاون لمصلحة الشعبين. وكذلك تفعيل دور هيئة العمل الوطني ودعمها لتقوم بدورها المنشود في إنهاء الانقسام ومعالجة المشكلات الاجتماعية. وكذلك صيانة صيغة الوفد الموحد إلى المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية غير المباشرة بما يخص قطاع غزة وإجراء الاتصالات السياسية مع القاهرة لاستئناف المفاوضات وصولا لتحقيق المطالب الفلسطينية.

ولمجابهة العدوان الإسرائيلي المتواصل والتهديد بتصعيده على قطاع غزة، علينا الشروع ببناء جبهة مقاومة وطنية موحدة بمرجعية سياسية واحدة بيدها قرار الحرب والسلم.

وأخيراً، فإذا كان الجهد الوطني ضروري في المعركة السياسية لتنفيذ قرارات المجلس المركزي وإنهاء الانقسام وخارطة الطريق لإنقاذ غزة فإن الضغط الشعبي من خلال تحرك الفئات المتضررة والمتضررين والقوى ومؤسسات المجتمع المدني يبقى العنصر الأساس لفرض الانتقال إلى الإستراتيجية البديلة التي تقربنا من حقوقنا الوطنية وإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة طريق كسر الحصار والإعمار.

  • ورقة عمل مقدمة للمركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية (مسارات) ومبادرة إدارة الأزمات الفنلندية  (CMI)،  في حلقة حوارية تحت عنوان "القضية الفلسطينية.. التحديات والمخاطر والفرص" يوم الاثنين 16/3/2015 في فندق "الروتس" بمدينة غزة.
  • عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
  • عضو المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية