الجمعة 19 ابريل 2024

  • أسعار العملات
    العملة سعر الشراء سعر البيع
    الدولار الامـريكي 3.78 3.8
    الدينــار الأردنــــي 5.35 5.37
    الـــيــــــــــــــــــــــــورو 3.04 4.06
    الجـنيـه المـصــري 0.1 0.12

قصة قصيرة:

بقايا..

  • 21:58 PM

  • 2021-09-08

د. ندا يسري*:

يرقب العالم من فوق عجلات كرسيه المتحرك. لا شيء في الثمانين سوى المراقبة ومص الشفاة حسرة على الماضي والآتي. تأتي له الجليسة بطاولة الطعام، يلوك الطعام بنهم شديد على طقم الأسنان البورسلين الذي لا يخلعه إلا قبيل النوم مباشرة. قبل تركيب طقم الأسنان حارب كثيرا فكرة خلع ما تبقى من اسنانه الصدئة لتركيب الطقم، فقد كانت هذه البقايا كل ما تبقى له من ذكريات عراكه مع الحياة، حتى وإن كانت بقايا هذا العراك قدرته على مضغ قطع اللحم صعبة المضغ أو تكسير لقمة يابسة.

" حين نعمّر في الأرض ندرك قيمة المسلّمات والمتاح". ولا دايم إلا وجه الله.

يتأمل المكتبة الضخمة ويحاول أن يدرك ببصره الضعيف اسمه فوق مؤلفاته العديدة: "القانون الجنائي"، "الموجز في القانون الجنائي"... يرواح ببصره بين اسمه الذي لا يكاد يراه فوق الأرفف وصدر الجليسة المرتفع، يتعمّد لمسه هو يناولها الأطباق الفارغة سوى من فتات مهروس لم يقو الطقم عليها.

يعرف أنها تمتعض من نظراته، من محاولته البائسة لمسها أو مغازلتها غزلا منظوما بلغة قديمة باتت الآن تبعث على الضحك، يدرك جيدا كيف تتقزز منه وقت تمريضه أو تحميمه أو حتى اصطحابه ليقضي حاجته. لا بأس فهي تتقاضى ما يفوق أجر أيّة ممرضة أخرى.

"لا أدري لم استحضر الآن (محسن عبد العال) زميلي في جامعة فؤاد الأول. أذكركم كنت أكرهه بوسامته، ومصروف جيبه الذي يفوقنا جميعا. طبعا ابن الباشاوات نازل في المدينة الجامعية معانا، كنت أكرهه أكثر حين كان يعود ليلا إلى المدينة الجامعية منتشيا من إحدى السهرات الحمراء مع هذه أو تلك... لم يكن ما يرسله إلي الحاج حسن القطان من البلد يكفي الخبز، فمابالك بفورات الشباب. لكل شيء ثمن."

"(جيهان حسن عبد المولى) تلك المعيدة الغبية التي ظنّت نفسها تستطيع أن تفضحني... قال إيه بتحارب الفساد. هههههه. رغم أنني كنت وقتها أستاذها وكنت في قمة فترات الرجولة... الأربعين... ليست بسن هيّن.. كانت لابد أن تفهم صعوبة هذه المرحلة لرجل مثلي... كانت لابد أن تساعد أستاذها على اجتيازها لأساعدها على اجتياز الماجستير... ترى أين ذهبت الآن؟ أعتقد أنها استمتعت أكثر بإعداد المحشي والممبار وتربية الأطفال. غبية. لكل شيء ثمن."

تحاول الممرضة أن تنزله من كرسيه ليحصل على استراحة القيلولة. كم يحب هذه اللحظة حين تضطر إلى الاقتراب منه، وشم رائحة فمه العجوز. تمسح عنه لعابه بمنديل يلقى باضطراب في سلة المهملات. يعلو الغرفة صوت شخير.

*مصر:

كلمات دلالية

اقرأ المزيد

تحقيقات وتقارير

ثقافة وفن

مساحة اعلانية

آراء ومقالات

منوعات