الثلاثاء 19 مارس 2024

  • أسعار العملات
    العملة سعر الشراء سعر البيع
    الدولار الامـريكي 3.78 3.8
    الدينــار الأردنــــي 5.35 5.37
    الـــيــــــــــــــــــــــــورو 3.04 4.06
    الجـنيـه المـصــري 0.1 0.12

مقال تأملي:

الكتابة و فلسفة الوجود

  • 12:31 PM

  • 2020-05-27

عبير المدهون:

ن فعل الكتابة هو فعلا تحرريا أكثر من كونه استعراضيا .والتحرر هنا هو حالة من الانفلات من الذات حالة تجمع بين الشيء وضدة وهو ليس فعلا انيا أو وخزا لمناطق الالم بقدر ما هو انفتاح على الكينونة والذات وعلى الاخر معا وكأنه الحجر الذي يحرك سكون الماء فتتسع الدائرة رويدا رويدا . ولكني اؤكد على ان الكتابة فعلا ُيقدر عليه فقط ان رغبنا وَيقدر عليه أي منا في ذات الوقت فهو ليس حكرا على طبقة دون غيرها او فرد دونما الاخر . وحتى تمارس أي فعل وان كان الكتابة كل ما عليك هو ان تقرر انك سوف تفعل .والقراءة بحد ذاتها فعلا لا يقل عن الكتابة وليس مشروطا بتملك أدوات لنقدر عليه فنبينا محمد قرأ وهو أمي ولم يكن يجيد أدوات مادية او نفسية ولكنه فعل .ربما هي فلسفة القدرة على الفعل في أحلك الظروف وعندما قال ما" أنا بقارئ " فلم يكن ذلك بدافع عدم الرغبة او القدرة بقدر ما كان بدافع الخوف والرهبة ذلك هو العائق الوحيد امام أي فعلا تحريرا قد يمارسه الانسان .والحقيقة الوحيدة التي يمكننا ان نعترف بها هي حقيقة ان تدرك ذاتك وان تتطابق مع صورتها في مراتك وبعيدا عن جدلية كونها مطلقة ام نسبية ورغم ان الحقيقة من المفاهيم الفلسفية التي شغلت الفكر الإنساني حاول أوغست كونت استقراء تاريخ الحقيقة التي آمن بها الفكر الإنساني في كل عصر من عصور التاريخ فكانت اولى الحقائق التي اهتم بها الإنسان الحقيقة الدينية ثم انتقل إلى الفلسفية وأخيرا تأتي الحقيقة العلمية تلبية لحاجة العصر إلا أن كارل ياسبرس أعطى مفهوما للبحث عن الحقيقة بأنه السعي وراءها وليس امتلاكها. فهل الحقيقة في طبيعتها واحدة أم انها قابلة للتعدد والنسبية؟ يرى كل من افلاطون، أرسطو، المتصوفة، ديكارت رغم اختلاف كل منهم الا انه ثمة عالمين عالم الاشياء التي ندركها بحواسنا وعالم الماورائيات أي هو الشىء ومعيار صدقه ووضوحه وبعيدا عن الغوص في تفاصيل الاختلاف والاتفاق ولان الإنسان لا يستطيع الوقوف عند حقيقة واحدة إذ لكل عصر حقيقته كان لزاما ان نتفق على كونها نسبية في مواقف أخرى وهذا ما راح اليه أينشتين، كلود بيرنار جون بول سارتر ،غاستون باشلار وذهب بعض أقطاب البراغماتية بان الحقيقة نسبية ذلك أن الحكم يكون. صادقا متى دلت التجربة على أنه مفيد نظريا وعمليا ؛ وبذلك تعتبر المنفعة المحك الوحيد لتمييز صدق الأحكام من باطلهاوبأن النتائج أو الآثار التي تنتهي إليها الفكرة هي الدليل على صدقها ومقياس .يرى الوجوديون مع " سارتر " أن الحقيقة نسبية فحقيقة الإنسان هي في إنجاز ماهيته ؛ لأنه في بداية أمره لا يملك ماهية . فهو محكوم عليه بأن يختار مصيره ، ولكنه أيضا محكوم عليه بأن يموت . والحقيقة الأولى التي يجب التركيز عليها هي ممارسة هذه التجربة التي تجمع بين الحياة والموت وما ينتج عنهما من محن القلق والألم وثقل المسؤولية .ولكني اتفق مع ان الحقيقة مطلقة من حيث مبادئها وتصبح نسبية عند ممارستها أو البحث فيها إذ لا يمكن الجزم بأحدهما دون الأخرى. وان اردنا تبسيط تلك الحقيقة فكل ما عليك فعله هي تعريتها لتراها ماثلة امامك هنا فقط يمكنك ان تدركها وبان تراها بمعيار الصدق والوضوح

اذا فالحياة والموت حقيقتان لا اختلاف عليهما وهما بوابتان للعبور والخروج من ممر ضيق متشعب نخوض فيه كل تجاربنا بزيفها وصدقها وما بين تلك الصرختين التي نطلقهما لحظة العبور والخروج ندرك كم هي الحقائق التي يمكنها ان تصبح أكثر نضوجا بفعل التجربة وليس باي فعل اخر . جوستاين غاردر في روايته " عالم صوفي " جسد بطلها في شخصية أمندسن فتاة ذات الرابعة عشر من عمرها. تعيش مع قطها ، وسمكتها الذهبية، وسلحفاتها، ووالدتها. والدها قبطان على ناقلة نفط، وهو بذلك متغيب معظم أوقات السنة وتجد صوفي رسالتين غامضتين في صندوق بريدها فيها (“من أنتِ؟”، و”من أين جاء العالم؟”)، ومن ثم بطاقة بريدية معنونة إلى “هيلد مولار كناج – بواسطة: صوفي أمندسن”. وبعد ذلك تستقبل مغلفاً يحتوي على مجموعة أوراقٍ تجد فيها دروساً في الفلسفة. و تصبح صوفي طالبة للفيلسوف “ألبرتو كنوكس” ذي الخمسة وخمسون عام؛ والذي يبدأ مجهولاً تماماً، وتدريجياً يكشف عن نفسه شيئاً فشيئاً ليتبين أن الرسائل والأوراق الفلسفية كانت منه، ولكن البطاقة البريدية لم تكن كذلك، فهي مرسلة من “ألبرت كناج”، المايجور العامل في قوى حفظ السلام لدى الأمم المتحدة العاملة في لبنان. يشرع ألبرتو بتعليم صوفي تاريخ الفلسفة، تحاول صوفي وألبرتو كنوكس الكشف عن الأسرار الغامضة المرتبطة بـ “ألبرت كناج الذي نجده يتدخل بحياة صوفي بشكل خارق، ويحاول هنا “ألبرتو” تدريب صوفي على مقاومة ذلك عبر تعليمها كل ما يعرف عن الفلسفة. وفي الحقيقة فان اهم ما انطلت عليه تلك الاسئلة هي حقيقة البحث عن الذات وان ذلك عبر أدوات فلسفية أو ادوات أخرى والسر يكمن في وجود معلم لهذه الفتاة ان كان ذلك بدافع منه او لأسباب نجهلها الا انه بدونه لم تكن صوفي قادرة على تعلم الحياة ومواجهتها ولم تكن قادرة على مقاومة تدخلات المجهول فيها فالسياق الحياتي يفرض علينا ان نجرب ونكتشف ونستقصي حقيقة كل ما حولنا ولكن الحقيقة هنا تصاب في مقتل ان تناقضنا مع ذواتنا وان تركت صوفي معلمها لتلتحق برغبتها بذلك المجهول الذي سعى ليتدخل في حياتها . فالحقيقة لا يقرها العقل بذاته بل هي من يقرها العقل والعين والقلب معا بلا ادنى اختلاف بينهما فتتجرد الاشياء من عالمها المحسوس لتنطبق مع حدس وبصيرة ما ورائها . ويستعرض لنا جان كوكتو علاقته بالموت والعالم الميتافيزيقي غير المرئي في فيلم “اورفي” فهو يقدم الموت بصورة اخرى مختلفة وجديدة، اذ يرمز له على انه امرأة جميلة وجذابة تسلب عقل الشاعر وتقوده الى عالم ميتافيزيقي، بل تعشقه الى حد الجنون وهو يبادلها نفس المشاعر، والموت هنا يسيطر على العالم وكأن العالم خُلق لكي يكون الموت سيده، كوكتو هنا يجعلنا نقترب من الموت ليس كشبح مخيف بل كصديق وحبيب رائع مغر، وكأن فيلم “اورفي” يؤكد لنا ان هناك منطقة انتقال ما بين الحياة والموت، وهي منطقة ومرحلة يمكننا الاحساس بها احساسا ماديا فالموت هنا هو الحقيقة بل جوهر الحقيقة وليس وهما مفزعا، والتعرف على الموت بحاجة الى شجاعة او لنقل بحاجة الى المعرفة وهذه المعرفة هي ان يعرف الانسان نفسه وحقيقته ولا يمكن ان يشعر احدنا بالموت او يعرف حقيقة الموت وهو يجهل نفسه وحقيقة وجوده في هذا الكون. اذا يجسد عبره مشهد رحلة اورفي من العالم الدنيوي الى العالم الاخر اي نزوله الى الجحيم. وتبقى تلك وجهة نظر كوكتو في فلسفته للموت ومن المؤكد انه جان كوكتو منذ ان بدأ يتلمس ويشق طريقه نحو عالم الشعر والابداع ارتبط بالموت مبكرا فوالده انتحر، وخلال مشاركته بالحرب اغتال الموت احد اصدقائه ولعل هذا دفعه للركض وراء الموت والاحساس به. ومهما اختلفنا في تفسيرنا لتلك الحقيقتين الا اننا سنعيشهما في سياقات مختلفة فليس كل الحياة حياة وليس كل الموت موت وما بينهما كان الانسان وليد اسئلته التي بلا بداية ولا نهاية ومنها تجلت الحضارة البشرية في شتى صورها وعصورها ويبقى السؤال الاهم الى أي مدى يمكننا ان نكون حقيقين على المستوى المعرفي والسلوكي والشعوري وهل الحب والكره كما الحياة والموت ؟؟؟؟؟ وهل هما شعوران مشروطان وانيان أيضا ؟؟ أم وليدان للمواقف والتجارب بكل سياقاتها وهل الخلود خرافة ام حقيقة وان كان كذلك فلما سعى اليه جلجامش في ملحمته ولم جسدته الحضارة نقوشا ومما لا شك فيه ان كل فعل هو خلود وان فعل الكتابة هو أعظم خلود لذات الانسان في مجتمعه وللمجتمع في ذاته .

الآراء المطروحة تعبر عن رأي كاتبها وليس بالضرورة أنها تعبر عن الموقف الرسمي لـ "ريال ميديا"

كلمات دلالية

اقرأ المزيد

تحقيقات وتقارير

ثقافة وفن

مساحة اعلانية

آراء ومقالات

منوعات